فأعمالها الاجتماعية لا تقتصر على بناء مساكنها ، والعمل على قانون التعاون ، والقيام بتربية الصغار ، ولكن يرجح أن لها لغة خاصة تتفاهم بها.
ثم شوهد لدى مجتمعات النمل غرائز استعمارية يدفعها لشن الغارات على قرى النمل المجاورة لها ، إما بقصد الاستيلاء على القرية للانتفاع بها ، أو بقصد توسيع نطاق أملاكها ، أو الاستيلاء على صغارها ..
ومن الغريب أنها تأسر الأسرى من أعدائها ، ثم تقودهم إلى معسكراتها ، ثم تقتلهم أو تتخذهم أرقاء ، وتكلفهم بأشق الأعمال في القرية (١).
ومما يدهش له الإنسان أن النمل قد استأنس بعض الحيوانات التي هي أقل منه شأنا ، استأنسها ـ كما يستأنس أحدنا الحيوان لدره ـ ولكن الأكثر إثارة ودهشة هو أنه قد وجد نحو ألفي نوع من هذه الحشرات المختلفة داخل مساكن النمل ، وقد نجح في استئناسها كلها ، بينما لم يستأنس الإنسان سوى عشرين نوعا تقريبا (٢).
لم يكن الإنسان القديم يعرف شيئا عن مثل هذه الحقائق ، ولذلك لم تتردد حتى في أساطيره .. فكيف تمكن محمد صلىاللهعليهوسلم من إدراك مثل هذه الحقيقة التي أمضى العلماء حتى توصلوا إليها القرون الطويلة من البحث والتأمل.
لا يمكن لأي مفكر منصف في هذه الأرض أن يعزو مثل هذه الحقيقة الناطقة لغير الوحي من قبل خالق الأرض والسماء وعالم السر والعلن ، الذي أتقن كل شيء خلقه وأحاط به علما ..
إن العلماء المعاصرين اليوم حينما يقرءون هذه الآية لا يدهشون فقط لما فيها من المعارف اليقينية التي أيدها العلم الحديث ، بل يتخذون منها مشعل هداية للبحث عن النظم الاجتماعية والطاقة العقلية عند كل الحيوانات الموجودة على سطح الأرض ، لأن الله عمم لفظ الأمة لكل دابة تدب على الأرض وطائر
__________________
(١) دائرة معارف القرن العشرين ١٠ / ٣٧٢.
(٢) الدين والعلم : ص ١٠٧.