ولكن الذي أريده من هذه القصة هو أن الإنسان القديم قد تصور الارتفاع بالجو ، ولكن تصوره كان ساذجا ، متوافقا مع معارفه في ذلك الزمان ، ولذلك لم يحسب أي حساب لخفة ضغط الهواء ، وقلة الأوكسجين ، وضيق التنفس في حال الارتفاع إلى مثل هذه المسافة التي صورها خياله الساذج.
ولو أننا ذهبنا نفكر بالأمر حسب معلوماتنا المعاصرة ، وتصورنا المسافة التي وصل إليها في ارتفاعه حتى أبصر الأرض كعين الديك في الصغر ، لفهمنا أنه قد ارتفع إلى مسافة بعيدة جدا تقارب مسافة الأقمار الصناعية اليوم ، وهذا يعني في معلوماتنا الحديثة أنه من الضروري أن يكون قد تفجرت شرايينه ، ومن ثم اختنق ومات لقلة الضغط ، وعدم إمكانية التنفس ...؟.
فكيف صعد إلى تلك المسافة الموغلة في الفضاء ، ثم رجع إلى الأرض ، دون أن يصاب بأي أذى ، ودون أن يتحدث الروائيون والقصصيون عما صادفه على الأقل من بعض المتاعب في تنفسه وضيق صدره ...
إنه خيال جميل ، وتفكير دقيق سليم ، وربما كان يحالفه الحظ في محاولة الإنسان الطيران .. إلا أنه ساذج بالنسبة لمعلوماتنا المعاصرة ، يدل دلالة قاطعة على أن الإنسان القديم كان على جهل كامل بكثير من الأمور المتعلقة بالفضاء ، ومن أهمها مسألة الضغط الجوي ، ونقص الأوكسجين ، وعدم إمكانية التنفس.
ولم يكن الخيال العربي بأقل من الخيال الإسرائيلي ، فقد نسج العرب أيضا ، وبمعارف بيئتهم ، قصة خيالية عن سيف بن ذي يزن ، الذي شغفهم بقصته حبا ، وزعموا أنه سخر العفريت لحمله ، وأنه ركب ظهره ، وطار به في الجو حتى أبصر الأرض بقدر الكف ، كما ذكرنا في القصة الماضية.
ولكنهم أيضا لم يتعرضوا لشيء عن انخفاض الضغط في مثل هذا الارتفاع الهائل.
والسبب هو ما ذكرناه من أن الإنسان القديم لم يكن على علم بهذه الحقيقة ، إذ لم يجرب أحد أبدا الصعود في السماء .. لأنه لم يكن إلى ذلك من سبيل.