لقد اضطر أهل استراليا في وقت ما لزراعة نوع من الصبار كسياج وقائي لهم ، وكان هذا النوع سريع النمو والانتشار ، ولم يكن في استراليا أي نوع من الحشرات يعاديه ، فنمى ، وتمادى ، حتى غطى في استراليا مساحة كبيرة تقرب من مساحة انجلترا ، وضايق أهل المدن والقرى ، وأتلف مزارعهم ، وحال دون الزراعة ، وصار أهل استراليا أمام هذا الجيش الزاحف إليهم من كل حدب وصوب ، مما يهدد حياتهم ، مما اضطر علماء الحشرات للبحث في جوانب الأرض عن عدو لهذا الجبار العنيد ، يقف في وجهه ، ويمنع انتشاره ، فعثروا في إحدى البلدان على حشرة لا تعيش إلا على الصبار ، ولا تتغذى بغيره ، وهي سريعة الانتشار بنفس الوقت.
ولم تمض إلا فترة قصيرة حتى تمكنت هذه الحشرة من الوقوف في وجه الصبار ، بل اضطرته إلى التراجع ، وأنهت مصائب أهل استراليا.
إلا أنها في نفس الوقت تراجعت هي أيضا ، ولم يبق منها سوى بقية قليلة ، وكأنها جيش احتياطي للوقاية ، يكفي لصد الصبار عن الانتشار إلى الأبد ...؟.
فلو لا هذه الحشرة لضاقت الأرض بأهل استراليا ، ولو بقيت الحشرة في نفس أعدادها السابقة ، ولم تتراجع هي أيضا ، لقضت على ذلك النوع من الصبار الذي يحتاجون إليه.
إذن لم يكن خلق الصبار عبثا ، وإنما لحاجة الناس إليه ، كما لم يكن خلق تلك الحشرة المضادة له عبثا ، وإنما لحاجة الإنسان إليها ، للوقوف في وجه الصبار الذي يمكن أن يهدد حياة الناس بسرعة انتشاره ، كما حدث للناس في استراليا.
إنه أعظم توازن في نظام البيئة والحياة ، يضمن الاستقرار والدوام للجميع ، ولولاه لعدا بعض الأنواع على بعضها الآخر ولا ختل توازن الحياة.
وهذا الذي نراه في النبات والحشرات ، نراه في كل ظاهرة من ظواهر الكون والحياة.