ولم يكن المراد بهذا أن الخلق يكون عن طريق إعطاء اليكترونين أو بروتونين أو نيوترونين ، وإنما كان بمعنى خلق الإليكترون والإلكترون النقيض ، أو البروتون والبروتون النقيض ، أو النيوترون والنيوترون النقيض.
على أن هذه النقائض المادية لا يمكن أن يجتمع بعضها مع بعض ، لا في الزمان ، ولا في المكان ، فبمجرد خلق الزوجين في عالمنا ، لا بد أن يهلك أحدهما الآخر ويفنيه حين التقائه إياه.
هذه هي المعادلة التي أتى بها بول ديراك والتي تحمل هذا النبأ الغريب ، مما جعل الناس لا يلقون لها بالا ، إذ لم تكن عقولهم تهيأت لهذا بعد.
ولكن هل تحقق ما تنبأ به ديراك؟
لقد كان العلماء في الماضي يطلقون إلى الجو أجهزة علمية داخل بالونات لتسجيل سر الأشعة الكونية التي تأتي من السماء.
وفي عام ١٩٢٣ استقبل أحد العلماء الأمريكيين المهتمين بدراسة الأشعة الكونية وهو كارل اندرسون ، استقبل مسارات هذه الأشعة على ألواح حساسة ، وهذه المسارات بمثابة البصمات عند الإنسان ، تحدد للعلماء صفات تلك الأشعة ، وطبيعتها ، وشحنتها ، وشخصيتها.
لقد لفت نظره من بين المسارات الكثيرة المسجلة ـ مسيرة غريبة ، ففي لحظة واحدة خاطفة ظهر على لوحه الحساس ولادة جسمين من نقطة واحدة ، انطلق أحدهما إلى جهة اليمين ، وانطلق الآخر إلى جهة اليسار ، مما جعل أندرسون حائرا في هذا المشهد ، إذ أن المسارين لإلكترونين يقينا ، ولكن ما هو السبب الذي جعلهما يبتعدان ويفترقان أحدهما عن الآخر ، وكأن أحدهما عدو لقرينه؟.
لم يتمكن أندرسون من معرفة السبب ، وذلك لأنه لم يكن قد اطلع وقت مشاهدته لهذه الظاهرة ، لم يكن قد اطلع على معادلة ديراك الرياضية التي أشرنا إليها ، والتي كان قد نشرها قبل ثلاث سنوات في إحدى المجلات العلمية