لقد عكف العالم السويدي الشهير «أوسكار كلاين» سنوات طويلة على دراسة هذا الموضوع ، وخرج برأي يقول : «إن المادة والمادة النقيضة لا بد أن تكونا قد ظهرتا في وقت واحد ، ولا بد أن تتساويا تماما ، بمعنى أن نصف الأجرام السماوية قد جاء وظهر من مادة عادية ، ونصفها الآخر قد خلق من مادة نقيضة».
وذهب عالم البلازما النووية «هانز آلفين» إلى أبعد من هذا ، فنشر بحثا بعنوان «نقيض المادة والكون» شرح فيه فكرة ظهور الكون والكون النقيض ، وكيف ظهرا ، ثم كيف بوعد بينهما وعزلا ، حتى أمكن أن يعيشا إلى اليوم المعلوم (١).
ولا يسعنا نحن الناظرين إلى هذه النتائج العلمية التي لا تحتاج إلى تعليق إلا أن نردد قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها ، مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ، وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ ، وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ).
كما أننا لنتمايل طربا ، ونهتز نشوة ، عند ما نعرف أن العالم الحديث بعلومه ومعارفه ، وفي أدق مباحثه ونظرياته قد اتخذ من آيات القرآن دستورا له يبني عليه حضارته وتطلعاته وطموحاته ، ويردد كما يردد كل مؤمن : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
أيها القارئ الكريم : قل لي بربك .. من الذي علم ذلك الأمي في شعاب مكة وأوديتها ... من الذي علمه أسرار الكون والحياة ، والذرة والخلية ، مما لم يكن الإنسان يعلمه ، لا بعقله الظاهر ولا بعقله الباطن ، ومما لم يصل إليه ولا حام حوله ..؟!.
لا شك أنه الله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى.
وإني لعلى يقين بأنه ما من منصف يقع نظره على هذه الآية وهذه النتائج العلمية المذهلة ، إلا ويجد نفسه مضطرا لأن يحني رأسه تواضعا للحقيقة ، وتعظيما للخالق ، واعترافا بأن هذا الكتاب المعجز ليس من قول البشر.
__________________
(١) الدكتور عبد المحسن صالح ، المرجع السابق بتصرف.