الإنسان الذي هو غير الجلد واللحم ، وإنما يحرق الجلد ليصل إلى الإنسان ألم العذاب ، فأما الجلد واللحم فلا يألمان ، وبناء على ذلك يستوي الأمر بالنسبة للكافر ، أعيد إليه جلده السابق ، أم جلد آخر سواه (١).
قالوا : والدليل على هذا أن الله تعالى قال : (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) فالمقصود تعذيب الأبدان ، وإيلام الأرواح ، ولو أراد الجلود لقال : ليذقن العذاب (٢).
وإننا في هذا العصر الذي وضعنا فيه أيدينا على الكثير مما كان مجهولا للبشرية قديما ، في جانبي الكون والحياة .. لا نستطيع أن نقول غير هذا.
ولكننا نستطيع أن نعلله ، والتعليل الذي عرفناه كان عين ما أخبر عنه القرآن.
وذلك أن النهايات العصبية الملتصقة بالجلد هي التي تنقل ما تحسه من الحرارة والبرودة وغير ذلك إلى المخ ، الذي لا يلبث أن يصدر أوامره إلى الأطراف ، بناء على ضوء المعلومات المنقولة إليه.
وعلى سبيل المثال إذا قربنا إلى الجلد شيئا حارا ، فإن ثلاثين ألفا من الخلايا الملتقطة للحرارة تحس بهذه العملية ، وترسلها فورا إلى المخ ، وبناء على ذلك نحس بالألم ، فإذا ما احترق الجلد ، واحترقت هذه الخلايا الملتقطة للحرارة ، انقطع الاتصال ، وفقد الإحساس بالألم إجمالا.
إذن فالجلد بما يحتويه من الخلايا العصبية الناقلة للحرارة ، هو السبب الذي نحس به بألم الحرارة .. ولذلك كان لا بد من وجود الجلد ، لنحس بآلام الحرق.
من أجل هذا اقتضت الحكمة الإلهية أن يتجدد جلد الكافر ، وأن يرجع كما كان من أجل أن يستمر شعوره بألم الحرق وعذابه ، على أكمل وجه وأتمه.
__________________
(١) تفسير الماوردي : ١ / ٣٩٩.
(٢) القرطبي : ٥ / ٢٥٤.