صدق هذه الرسالة ، وتعتبر معجزة لكل من نظر فيه ، وتكون باقية ببقائه.
من أجل هذا وجدت وجوه كثيرة من الإعجاز ، إذا فات أهل العصر بعضها ، لسبب من الأسباب ، فلن يفوتهم بعضها الآخر.
وهذه الوجوه لا يمكن التحكم بحصرها ، لأنها خاضعة لدقة النظر في كتاب الله ، واختلاف الأشخاص ، والأحوال ، والعلوم ، والمكتشفات ، فربما اكتشف أهل الأجيال القادمة ، بما يتوصلون إليه من العلوم والمكتشفات ، ربما وضعوا أيدهم على وجوه جديدة من الإعجاز ، لم يستطع أهل جيلنا ، ولا أهل الأجيال السابقة معرفتها ، أو وضع أيديهم عليها.
وهذا في رأيي نوع من أعظم أنواع الإعجاز في القرآن الكريم ، الذي لا تفنى غرائبه ، ولا تنتهي عجائبه ، كما سأشير إليه في الفقرات القادمة إن شاء الله.
قال صلىاللهعليهوسلم : «ما من الأنبياء نبي إلّا أعطي ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» (١).
فهذا الوحي هو معجزة رسول الله صلىاللهعليهوسلم التي آمن عليها الناس في الصدر الأول ، وقد تكفل الله بحفظها إلى يوم القيامة : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) حتى تراها الأجيال التي جاءت بعد الجيل الأول إلى يوم القيامة ، وترى فيها ما يدل على صدق الرسول والرسالة ، ومن ثم يؤمن عليها.
فهي معجزة خالدة خلود الزمان ، يجد فيها أهل كل جيل من الإعجاز ما يدل على صدق الرسول والرسالة ، ليؤمنوا بالله عن بينة حية ماثلة بين أيديهم ، لا عن أمر نظري تاريخي قابل لكثير من أنواع الاحتمال.
وهذا هو السر في دخول الآلاف المؤلفة من الناس في الإسلام ، على مر
__________________
(١) البخاري ٦٦ ، كتاب فضائل القرآن باب كيف نزول الوحي ، ومسلم ١ / ٩١ ـ ٩٢.