آخر ، ولو سلم فيجوز أن يكونا علمين متخالفين بالماهية أو الهوية ، وفيه ضعف.
أما أولا : فلأن إمكان تعلق علم آخر به ضرورى. كيف وأنا نحكم عليه عدم الإحساس أيضا.
وأما ثانيا : فلأن مقصود الجمهور نفى أن تكون حقيقة إدراك الشيء بالحس هى حقيقة إدراكه المسمى بالعلم ، بحيث لا تفاوت إلا فى طريق الحصول كما فى العلم بالشيء بطريق الاستدلال أو الإلهام ، أو الحدس ، وإما بعد تسليم كونهما نوعين مختلفين من الإدراك فيصير البحث لفظيا مبنيا على أن العلم اسم لمطلق الإدراك ، أو النوع منه ، والحق أن إطلاقه على الإحساس مخالف للعرف واللغة فإنه اسم لغيره من الإدراكات ، وقد يخص بإدراك الكل ، أو إدراك المركب فيسمى إدراك الجزئي ، أو إدراك البسيط معرفة وقد يخص العلم بأحد أقسام التصديق ـ أعني اليقين منه ، وهو ما يقارن الجزم والمطابقة والثبات ، فيسمى غير الجازم ظنا (١) قلنا (٢) : وغير المطابق جهلا مركبا (٣) ، وغير الثابت اعتقاد
__________________
(١) في (ب) بزيادة لفظ (ظنا).
(٢) في (أ) بزيادة لفظ (قلنا).
(٣) (الجهل : نقيض العلم. قال تعالى : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ) يعني الجهل بحالهم ولم يرد الجهل الذي هو ضد الخبرة ، والجهل هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه ، واعترضوا عليه بأن الجهل قد يكون بالمعدوم وهو ليس بشيء ، والجواب عنه أنه شيء في الذهن (راجع التعريفات للجرجاني).
ويطلق الجهل عند المتكلمين على معنيين الأول : هو الجهل البسيط ، وهو عدم العلم عما من شأنه أن يكون عالما فلا يكون ضدا للعلم ، بل مقابلا له تقابل العدم والملكة ، ويقرب منه السهو والغفلة والذهول ، والجهل البسيط بعد العلم يسمى نسيانا. والثاني هو الجهل المركب ، وهو اعتقاد جازم غير مطابق للواقع ، وإنما سمي مركبا لأنه يعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه ، فهذا جهل أول ، ويعتقد أنه يعتقده على ما هو عليه ، وهذا جهل آخر قد تركبا معا وهو ضد العلم.
(راجع كشاف اصطلاحات الفنون ج ١ ص ٢٧٨ : ٢٧٩).