الحركتين لأنهما أعني الصاعدة والهابطة أمران وجوديان يمتنع اجتماعهما في زمان واحد من جهة واحدة مع كونهما نوعين من جنس بينهما غاية الخلاف ، وهذا بخلاف الحركة المستقيمة من نقطة من المسافة إلى نقطة مع الرجوع عنها إلى الأول لا بطريق الصعود والهبوط فإنهما نوع واحد ، وبخلاف المستقيمة والمنحنية أو المنحنيتين ، وإن كانت إحداهما فوق ، والأخرى تحت ، فإنهما ليستا على غاية الخلاف لأن بين كل نقطتين قسيا غير متناهية والعظمى أشد انحناء فأشد مخالفة. ولا يجوز أن يعتبر مطلق الانحناء لأنه لا يوجد في الخارج إلا في ضمن معين ، وكل معين يوجد فما فوقه أشد مخالفة منه وهاهنا مواضع بحث.
الأول : إن القوس (١) التي تماس محدب الفلك المحيط في غاية الخلاف فالحركة عليها ينبغي أن تكون ضدا للحركة المستقيمة لصدق الحد بجميع شرائطه.
الثاني : إن الصاعدة والهابطة المستقيمتين أيضا قد لا تكونان على غاية الخلاف كالصعود من وجه الأرض إلى النار ، والهبوط منها إليه لظهور أن الصعود إلى الفلك أشد مخالفة لذلك الهبوط ، والهبوط إلى مركز الأرض أشد مخالفة لذلك الصعود.
الثالث : إن ظاهر كلامهم هو أن المعتبر في تضاد الحركتين تضاد مبدأيهما ، وتضاد منتهيهما جميعا ، فالصعود والهبوط من المركز والمحيط إلى حيز من الهواء مثلا لا يكونان متضادين لاتحاد المنتهى ، وكذا الصعود والهبوط منه إلى المحيط والمركز لاتحاد المبدأ ، وقد صرح ابن سينا بأنه لا تضاد بين حركتي الماء بالطبع من فوق الهواء ومن تحت الأرض لأنهما ينتهيان إلى نهاية واحدة ، ولا يظهر لهذا سبب سوى ما ذكره الإمام : وهو أنهما ليستا على غاية التباعد ، لأن البعد بين حركة النار وحركة الأرض أكثر من البعد بين صعود الماء من المركز وهبوطه عن المحيط (وعلى هذا لا يتحقق التضاد في
__________________
(١) القوس : يذكر ويؤنث والجمع قسي ، وأقواس.