الثاني : دليل التوارد وهو أنه لو وقع شيء بقدرة الغير ، وقد عرفت أنه مقدور لله تعالى أيضا ، فلو فرضنا تعلق الإرادتين به معا فوقوعه إما بإحدى القدرتين ، فيلزم الترجيح بلا مرجح ، وإما بهما فيلزم توارد العلتين المستقلتين على معلول واحد ، لأن التقدير أن كلا منهما مستقل بالإيجاد ، فلا يجوز أن تكون العلة هي المجموع ، وهذا بخلاف حركة الجوهر الملتصق بكفي جاذب ودافع ، فإنه لا دليل على استقلال كل منهما بإيجاد تلك الحركة على الوجه المخصوص.
نعم : يرد عليه أن قدرة الله تعالى أكمل فيقع بها ، وتضمحل قدرة العبد.
الثالث : دليل التمانع ، وهو أنه لو وقع شيء بإيجاد الغير ، وفرضنا تعلق قدرة الله تعالى وإرادته بضد ذلك الشيء في حال إيجاد الغير ذلك الشيء كحركة جسم وسكونه في زمان بعينه ، فإن وقع الأمران جميعا لزم اجتماع الضدين ، وإن لم يقع شيء منهما لزم عجز الباري ، وتخلف المعلول عن تمام العلة ، وخلو الجسم عن الحركة والسكون ، وإن وقع أحدهما لزم الترجيح بلا مرجح ، وفيه ما قد عرفت ، لا يقال معنى كون قدرته أكمل أنها أشمل أي أكثر إيجادا ، ولا أثر لهذا التفاوت في المقدور المخصوص ، بل نسبة القدرتين إليه على السواء. لأنا نقول : بل معناه أنها أقوى ، وأشد تأثيرا ، فيترجح على قدرة العبد ، ويظهر أثرها.