به (١) الحكماء من المجردات. (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ ، وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ، وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ، وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢).
فإن قيل : إن أريد الانتظام والإحكام من كل وجه بمعنى أن هذه الآثار مرتبة ترتيبا لا خلل فيه أصلا ، وملائمة للمنافع والمصالح المطلوبة منها بحيث لا يتصور ما هو أوفق (٣) منه وأصلح. فظاهر أنها ليست كذلك. بل الدنيا طافحة بالشرور (٤) والآفات ، وإن أريد في الجملة ومن بعض الوجوه ، فجل آثار المؤثرات من غير العقلاء ، بل كلها كذلك ، وأيضا قد أسند جمع من العقلاء الحكماء عجائب خلقة الحيوان ، وتكون تفاصيل الأعضاء إلى قوة عديمة الشعور سموها المصورة ، فكيف يصح دعوى كون الكبرى ضرورية ..؟.
قلنا : المراد اشتمال الآثار والأفعال على لطائف الصنع وهما الترتيب وحسن الملاءمة للمنافع ، والمطابقة للمصالح على وجه الكمال ، وإن استمل بالغرض على نوع من الخلل. وجاز أن يكون فوقه ما هو أكمل ، والعلم (٥) بأن مثل ذلك لا يصدر إلا عن العالم ضروري ، سيما إذا تكرر وتكثر ، وخفاء الضروري على بعض العقلاء جائز ، وما يقال : لم لا يكفي الظن مدفوع بالتكرر والتكثر ، وبأنه يكفي في إثبات غرضنا التصور.
الثاني : أنه قادر أي فاعل بالقصد والاختيار لما مرّ ، ولا يتصور ذلك إلا مع العلم بالمقصود.
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (به).
(٢) سورة البقرة آية رقم ١٦٤ وقد جاءت هذه الآية محرفة وبذلك بنقص قوله تعالى : (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ).
(٣) في (ب) أرفق بدلا من (أوفق).
(٤) في (ب) طامحة بالميم لا (الفاء).
(٥) في (أ) والحكم بدلا من (العلم).