والمخالفون في شمول علمه منهم من قال يمتنع علمه بعلمه ، وإلا لزم اتصافه بما لا يتناهى عدده من المعلوم وهو محال ، لأن كل ما هو موجود بالفعل ، فهو متناه على ما مرّ مرارا. وجه اللزوم : أنه لو كان جائزا لكان حاصلا بالفعل ، لأنه مقتضى ذاته ، ولأن الخلو عن العلم الجائز عليه جهل ونقص ، ولأنه لا (١) يتصف بالحوادث ، وينقل الكلام إلى العلم بهذا العلم وهكذا إلى ما لا يتناهى. لا يقال علمه ذاته. ولو سلّم فالعلم بالعلم نفس العلم. لأنا نقول : أما امتناع كون العلم نفس الذات فقد سبق. وأما امتناع كون العلم بالعلم نفس العلم ، فلأن الصورة المساوية لأحد المتغايرين. تغاير الصورة المساوية للمغاير الآخر ، ولأن التعلق بهذا يغاير التعلق بذلك.
والجواب : أن العلم صفة واحدة لها تعلقات هي اعتبارات عقلية لا موجودات عينية ليلزم المحال ، ولا يلزم من كونه اعتبارا عقليا أن لا تكون الذات عالما ، والشيء معلوما في الواقع لما عرفت من أن (٢) انتفاء مبدأ المحمول لا يوجب انتفاء الحمل ، على أن مغايرة العلم بالشيء للعلم بالعلم ، إنما هو بحسب الاعتبار ، فلا يلزم كثرة الأعيان (٣) الخارجية ، فضلا عن لا تناهيها ، وبهذا يندفع الاستدلال (٤) بهذا الإشكال ، على نفي علمه بذاته ، بل بشيء (٥) من المعلومات.
وأجاب الإمام بأن هذه أمور غير متناهية لا آخر لها ، والبرهان إنما قام على ما لا أول لها ، ومنهم من قال : لا يجوز علمه بما لا يتناهى ، أما أولا : فلأن كل معلوم يجب كونه ممتازا ، وهو ظاهر ، ولا شيء من غير المتناهي بممتاز ، لأن المتميز عن الشيء منفصل عنه محدود بالضرورة.
وأما ثانيا : فلأنه يلزم صفات غير متناهية هي المعلوم لما عرفت من تعدد المعلوم بتعدد المعلومات.
والجواب : عن الأول إنا لا نسلم أن كل متميز عن غيره يجب أن يكون متناهيا ،
__________________
(١) في (أ) بزيادة لفظ (لا).
(٢) في (أ) بزيادة (أن).
(٣) في (ب) الاعتبارات بدلا من (الأعيان).
(٤) في (ب) الأشكال بدلا من (الاستدلال).
(٥) في (ب) يسمى بدلا من (بشيء).