وثالثا : بأنهما قد يفترقان كما إذا علم أن زيدا سيقدم وعند قدومه لم يعلم أنه قدم وبالعكس).
قال : والفلاسفة في العلم بالجزئيات المشهور من مذهبهم. أنه يمتنع علمه بالجزئيات على وجه كونها جزئيات. أي من حيث كونها جزئيات (١) يلحقها التغير ، لأن تغير المعلوم يستلزم تغير العلم ، وهو على الله تعالى محال في ذاته وصفاته. وأما من حيث انها غير متعلقة بزمان فتعلقها يعقل بوجه كلي لا يلحقه التغير ، فالله تعالى يعلم جميع الحوادث الجزئية ، وأزمنتها الواقعة هي فيها ، لا من حيث أن بعضها واقع الآن ، وبعضها في الزمان الماضي ، وبعضها في الزمان المستقبل. ليلزم تغيره بحسب تغير الماضي والحال والمستقبل بلا علما.
ثانيا : أبد الدهر غير داخل تحت (٢) الأزمنة. مثلا يعلم أن القمر يتحرك كل يوم كذا درجة ، والشمس كذا درجة. فيعلم أنه يحصل لهما مقابلة في يوم كذا ، وينخسف القمر في أول الحمل (٣) مثلا ، وهذا العلم ثابت له ، حال المقابلة وقبلها وبعدها ، ليس في علمه كان ، وكائن ، ويكون ، بل هي حاضرة عنده في أوقاتها أزلا وأبدا ، وإنما التعلق بالأزمنة في علومنا. والحاصل أن تعلق العلم بالشيء الزمانيّ المتغير لا يلزم أن يكون زمانيا ليلزم تغيره.
وقال الإمام : إن اللائق بأصولهم ، أن الجزء إن كان متغيرا ، أو متشكلا يمتنع أن يتعلق به علم الواجب لما يلزم في الأول من تغير العلم ، وفي الثاني من الافتقار إلى
__________________
(١) في (ب) زمانية بدلا من (جزئيات).
(٢) في (ب) بحسب بدلا من (تحت).
(٣) اسم اطلقه الفلكيون العرب على أول البروج أو منازل الشمس الاثني عشر وقد عين بطليموس في كتابه المجسطي المنقول إلى العربية مواقع ١٨ كوكبا من كواكب برج الحمل ، ونقل العرب عنه ذلك وذكروا أن صورة الحمل تتكون من ١٣ كوكبا بينما توجد خمسة كواكب خارج الصورة واعتبروا بطن الحمل منزلا من منازل القمر ومقدم صورة الحمل تقع إلى الغرب ، ومؤخره إلى الشرق ، ووجهه إلى ظهره ، وسموا الكوكبين اللذين على قرنه الشرطين ، والخارج عن الصورة الناطح.
راجع القاموس الإسلامي ج ٢ ص ١٦٠.