أو لا فيلزم افتقاره في صفاته وكمالاته إلى الغير ، ومنها قول أكثر معتزلة البصرة (١) : إن إرادته حادثة قائمة بنفسها لا بمحل ، وبطلانه ضروري فإن ما يقوم (٢) بنفسه لا يكون صفة ، وهذا أولى من أن يقال : إن العرض لا يقوم إلا بمحل للإطباق على أن صفات الباري ليست من قبيل الأعراض ، وفي كلام بعض المعتزلة. أن العرض نفسه ليس بضروري ، بل استدلالي فكيف حكمه الذي هو استحالة قيامه بنفسه ، وفساده بيّن؟.
ومنها قول الحكماء : إن إرادته تعالى ، ويسمونها العناية بالمخلوقات. هو تمثل نظام جميع وجود الموجودات (٣) من الأزل إلى الأبد في علمه السابق على هذه الموجودات مع الأوقات المترتبة غير المتناهية التي تجب وتليق أن يقع كل موجود منها في واحد من تلك الأوقات.
قالوا : وهذا هو المقتضى لإفاضته (٤) ذلك النظام على ذلك التركيب ، والتفصيل ، إذ لا يجوز أن يكون صدوره عن الواجب ، وعن العقول المجردة بقصد الإرادة ، ولا بحسب طبيعته ، ولا على سبيل الاتفاق والجزاف ، لأن العلل العالية لا تفعل لغرض (٥) في الأمور السافلة ، فقد صرحوا في إثبات هذه العناية بنفي ما نسميه الإرادة ، وقد عرفت مرادهم بإحاطة علم الله تعالى بالكل ، ولأنها ليست إلا وجود الكل ، ومنها قول النجار من المعتزلة: إن إرادة الله تعالى كونه غير مكره ولا ساه ، وقول الكعبيّ : وكثير
__________________
(١) قال ابن الأنباريّ : البصرة في كلام العرب الأرض الغليظة وقال قطرب : البصرة الأرض الغليظة التي فيها حجارة تقلع وتقطع حوافر الدواب. وقال ابن الاعرابيّ : البصرة حجارة صلاب. وقال : وإنما سميت بصرة لغلظها وشدتها. والمسلمون هم الذين بنوا مدينة البصرة وأول مولود ولد فيها للمسلمين عبد الرحمن بن أبي بكرة. وكان أبو بكرة أول من غرس النخل بالبصرة ، وقال : هذه أرض نخل ، ثم غرس الناس بعده وأول دار بنيت بها دار نافع بن الحارث ثم دار معقل بن يسار المزنيّ الخ راجع معجم البلدان ج ص ٤٣١ / ٤٣٢
(٢) في (أ) ما يقوم به بدلا من (ما يقع).
(٣) في (ب) المخلوقات بدلا من (الموجودات).
(٤) في (ب) لإضافة بدلا من (لإفاضته).
(٥) في (ب) لا تعقل إلا بدلا من (لا تفعل لغرض).