من معتزلة بغداد (١). أن إرادته لفعله هو علمه به ، أو كونه غير مكره ولا ساه ، ولفعل غيره هو الآمر به ، حتى (٢) إن ما لا يكون مأمورا به لا يكون مرادا له ، ولا خفاء في أن هذا موافقة للفلاسفة في نفي كون الواجب تعالى مريدا ، أي فاعلا على سبيل القصد والاختيار ومخالفة للنصوص الدالة على أن (٣) إرادته ، تتعلق بشيء دون شيء ، وفي وقت دون وقت ، وأنه قد أمر العباد بما لم يشا منهم.
قال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٤).
(إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ) (٥) (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (٦).
إلى غير ذلك مما لا يحصى ، ولا فرق بين المشيئة والإرادة إلا عند الكرامية ، حيث جعلوا المشيئة صفة واحدة أزلية ، تتناول ما يشاء الله بها من حيث تحدث ، والإرادة حادثة متعددة ، بعدد المرادات ، وأما الاعتراض على قول النجار بأنه يوجب كون الجماد مريدا ، فليس بشيء لأنه إنما يفسر بذلك إرادة الله تعالى.
وذهب كثير من المعتزلة إلى أن الإرادة ليست سوى الداعي إلى الفعل وهو اختيار ركن الدين الخوارزميّ في الشاهد والغائب جميعا ، وأبي الحسين البصري في الغائب خاصة.
__________________
(١) بغداد : قال ابن الانباري : أصل بغداد للاعاجم. والعرب تختلف في لفظها إذ لم يكن أصلها من كلامهم ولا اشتقاقها من لغاتهم. قال بعض الاعاجم : تفسيره بستان رجل وقال الحسن. بغداد اسم فارسي معرب عن باغ داذويه ، ويقال لها مدينة السلام وسميت كذلك لأن دجلة يقال لها : وادي السلام ، وكان أول من مصرها وجعلها مدينة المنصور بالله أبو جعفر قال بعضهم : بغداد جنة الأرض ومدينة السلام ، وقبة الاسلام ومجمع الرافدين ، وغرة البلاد ، ودار الخلافة الخ راجع معجم البلدان ج ص ٤٥٨ ـ ٤٦٠
(٢) في (ب) حيث بدلا من حتى.
(٣) سقط من (ب) حرف أن.
(٤) سورة البقرة آية رقم ١٨٥.
(٥) سورة النحل آية رقم ٤.
(٦) سورة يونس آية رقم ٩٩.