قالوا : وهو العلم أو الاعتقاد أو الظن باشتمال الفعل والترك على المصلحة ولما امتنع في حق الباري تعالى الظن ، والاعتقاد كان الداعي في حقه تعالى ، الداعي هو العلم بالمصلحة ، واحتجوا بأن الإرادة فعل المريد قطعا واتفاقا. يقال فلان يريد هذا ، ويكره ذاك ، ولهذا يمدح بها ، ويذم ويثاب عليها ويعاقب.
قال الله تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) (١).
وقال : (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) (٢).
فهذا الفعل لو كان غير الداعي لكان للفاعل شعور به ضرورة أن الفاعل هو المؤثر بالشيء بالقصد والاختيار ، وذلك لا يكون إلا بعد الشعور لكن اللازم باطل ، لأنا لا نشعر عند الفعل أو الترك بمرجح سوى الداعي الخالص ، أو المترجح على الصافي.
والجواب : أنه إن أريد بكونها فعلا للمريد مجرد استنادها إليه ، كما في قولنا : فلان يقدر على كذا ، ويعجز عن كذا ، فهذا لا يقتضي كونه أثرا صادرا عنه بالقصد والاختيار ليلزم الشعور به ، وإن أريد أنه أثر له بطريق القصد والاختيار فممنوع ، ولا يبعد دعوى الاتفاق على نقيض ذلك.
كيف ولو كان كذلك لاحتاجت إلى إرادة أخرى وتسلسلت ثم (٣) ترتب الثواب والعقاب على الإرادة إنما هو باعتبار ما يلزمها من الأفعال ، أو تحصيل الدواعي ، أو نفي الصوارف أو نحو ذلك مما للقصد فيه مدخل ، واما المدح والذم على الشيء فلا يقتضيان كونه فعلا اختياريا وهو ظاهر. ثم لا نسلم أنه لا شعور لنا بمرجح سوى الداعي بمعنى اعتقاد المصلحة والمنفعة ، بل نجد من أنفسنا حالة ميلانية منبعثة عن
__________________
(١) سورة الأنفال آية رقم ٦٧ ، ولقد جاءت هذه الآية محرفة في الأصل حيث ذكرت : ثواب الدنيا بدلا من : تريدون عرض الدنيا.
(٢) سورة آل عمران آية رقم ١٥٢.
(٣) سقط من (ب) لفظ (ثم).