بيان ؛ أن الممات والصمم والعمى أضداد للحياة والسمع والبصر ، لا إعدام ملكات وأن من يصح اتصافه بصفة لا يخلو عنها وعن ضدها ، لكن لا بد من بيان أن الحياة في الغائب أيضا تقتضي صحة السمع والبصر ، وغاية متشبسهم (١) في ذلك على ما ذكره إمام الحرمين طريق السبر والتقسيم. فإن الجماد لا يتصف بقبول السمع والبصر ، وإذا صار حيا يتصف به ، إن لم يقم به آفات ، ثم إذا صيرنا صفات الحي لم نجد ما يصحح قبوله للسمع والبصر سوى كونه حيا ، ولزم القضاء بمثل ذلك في حق الباري تعالى. وأوضح من هذا ما أشار إليه الإمام حجة الإسلام (٢). أنه لا خفاء في أن المتصف بهذه الصفات أكمل ممن لا يتصف بها ، فلو لم يتصف الباري بها ، لزم أن يكون الإنسان بل غيره من الحيوانات أكمل منه ، وهو باطل قطعا ، ولا يرد عليه النقص بمثل الماشي ، والحسن الوجه ، لأن استحالته في حق الباري تعالى يعلم (٣) مما لا علم قطعا بخلاف السمع والبصر. والغرض من تكثير وجوه الاستدلال في أمثال هذه المقامات زيادة التوثيق والتحقيق ، وأن الأذهان متفاوتة في القبول والإذعان ربما (٤) يحصل للبعض منها الاطمئنان ببعض الوجوه دون البعض ، أو باجتماع الكل أو عدمه منها (٥) مع ما في كل واحد من محال المناقشة ، وأما الاعتراض بأنه لا سبيل إلى استحالة النقص والآفة على الباري تعالى (٦) سوى الإجماع المستند حجيته إلى الأدلة السمعية ، ولا خفاء في ثبوت الإجماع وقيام الأدلة السمعية القطعية على كونه تعالى حيا سميعا بصيرا ، فأي حاجة إلى سائر المقدمات التي ربما يناقض فيها (٧) ..؟.
فجوابه : المنع إذ ربما يجزم بذلك من لا (٨) يلاحظ الإجماع عليه ، أو لا يراه حجة أصلا أو يعتقد أنه لا يصح في مثل هذا المطلوب التمسك به ، وسائر الأدلة السمعية
__________________
(١) في (ب) متشبهم بدلا من (متشبسهم).
(٢) هو الإمام حجة الإسلام الغزالي. وقد سبق الترجمة له.
(٣) سقط من (ب) جملة (تعالي يعلم).
(٤) في (ب) بها بدلا من (ربما).
(٥) في (ب) عودة بدلا من (عدمه).
(٦) سقط من (ب) لفظ (تعالى).
(٧) في (أ) يناقش بدلا من (يناقص).
(٨) سقط من (ب) لفظ (لا).