وثانيهما : أنه لو كان أزليا لزم أزلية المكونات ضرورة امتناع التأثير بالفعل بدون الأثر.
فإن قيل : المراد بالتكوين صفة أزلية بها تتكون الأشياء لأوقاتها ، وتخرج من العدم إلى الوجود فيما لا يزال ، وليست نفس القدرة لأن مقتضى القدرة ، ومتعلقها ، إنما هو صحة المقدور ، وكونه ممكن الوجود ، ومقتضى التكوين ومتعلقه وجود المكون في وقته على أنه لو أريد بالتكوين نفس الإحداث والإخراج من العدم ، فأزليته لا تستلزم أزلية المخلوق ، لأنه لما كان دائما مستمرا إلى زمان وجود المخلوق ، وترتبه عليه لم يكن هذا من انفكاك الأثر عن المؤثر ، وتخلف المعلول عن العلة في شيء ، ولم يكن كالضرب بلا مضروب ، والكسر بلا مكسور ، وإنما يلزم ذلك في التكوين الذي يكون من الأعراض التي لا بقاء لها.
قلنا : وما الدليل على أن تلك الصفة غير القدرة المتعلقة بأحد طرفي الفعل والترك المقترنة بإرادته. كيف وقد فسروا القدرة بأنها صفة تؤثر على وفق الإرادة أي إنما (١) تؤثر بالفعل ، ويجب صدور الأثر عنه عند انضمام الإرادة ، وأما بالنظر إلى نفسها ، وعدم اقترانها بالإرادة المرجحة لأحد طرفي الفعل والترك ، فلا يكون إلا جائز التأثير ، فلهذا لا يلزم وجود جميع المقدورات ، ولما ذكرنا من أن القدرة جائز التأثير ، وإنما يجب بالإرادة ، قال الإمام الرازي : إن الصفة التي تسمونها التكوين يكون تأثيرها أي بالنظر إلى نفسها إما على سبيل الجواز ، فلا تتميز عن القدرة ، أو على سبيل الوجوب فلا يكون الواجب مختارا بل موجبا ، ولا يرد عليه اعتراض صاحب التلخيص بأن الوجوب اللاحق لا ينافي الاختيار. لأن معناه أنه تعالى إذا أراد خلق شيء من مقدوراته ، كان حصول ذلك الشيء منه واجبا. لأن هذا هو القسم الأول. أعني ما يكون تأثيره بالنظر إلى نفسه على سبيل الجواز ـ قوله ـ
وما نقل قد اشتهر عن الأشعريّ أن التأثير نفس الأثر ، والتكوين نفس المكون ، وهذا بظاهره فاسد ، وفساده غني عن التنبيه فضلا عن الدليل والذي يشعر به كلا
__________________
(١) في (أ) بزيادة لفظ (أي).