الوجوب في الشاهد فعلها لا تجب في الغائب لاختلافها بالماهية ، أو لاشتراطها بزيادة قوة قد لا توجد).
قوله ـ الثالث : الشبهة الثالثة شبهة الموانع (١) وهي أنه لو جازت رؤيته لدامت لكل سليم الحاسة في الدنيا والآخرة ، فلزم أن نراه الآن وفي الجنة على الدوام ، والأول منتف بالضرورة ، والثاني بالإجماع ، وبالنصوص القاطعة الدالة على اشتغالهم بغير ذلك من اللذات.
وجه اللزوم أنه يكفي للرؤية في حق الغائب سلامة الحاسة وكون الشيء جائز الرؤية ، لأن المقابلة وانتفاء الموانع من فرط الصغر أو اللطافة أو القرب أو البعد وحيلولة الحجاب الكثيف أو الشعاع المناسب لضوء العين (٢) ، إنما يشترط في الشاهد أعني رؤية الأجسام والأعراض ، فعند تحقق الأمرين لو لم تجب الرؤية لجاز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة لا نراها ، لأن الله تعالى لم يخلق رؤيتها أو لتوقفها على شرط آخر ، وهذا قطعي البطلان.
والجواب : أنه إن أريد جواز ذلك في نفسه بمعنى كونه من الأمور الممكنة فليس قطعي البطلان ، بل قطعي الصحة (٣) والشرطية المذكورة ليست لزومية بل اتفاقية بمنزلة قولنا : لو لم تجب الرؤية عند تحقق الشرائط لكان العالم ممكنا ، وإن أريد جوازه عند العقل بمعنى تجويزه ثبوت الجبال ، وعدم جزمه بانتفائها ، فاللزوم ممنوع. فإن انتفاءها من العاديات القطعية الضرورية ، كعدم جبل من الياقوت ، وبحر من الزئبق ، ونحو ذلك مما يخلق الله تعالى العلم (٤) الضروري بانتفائها ، وإن كان ثبوتها من الممكنات دون المحالات ، وليس الجزم به مبنيا على العلم ، بأنه تجب الرؤية عند وجود شرائطها ، لحصوله من غير ملاحظة ذلك ، بل مع الجهل(٥). بذلك سلمنا
__________________
(١) في ب المواقع بدلا من (الموانع).
(٢) في (ب) لصف العين بدلا من (ضوء).
(٣) في (ب) بل قطع بدلا من (قطعي).
(٤) في (أ) بزيادة لفظ (العلم).
(٥) في (ب) من بدلا من (مع).