وجوب الرؤية عند تحقق الشرائط المذكورة في حق الشاهد ، لكن لا نسلم وجوبها في الغائب عند تحقق الأمرين لجواز أن تكون الرؤيتان مختلفتين في الماهية ، فيختلفان في اللوازم أو تكون رؤية الخالق مشروطة بزيادة قوة إدراكية في الباصرة لا يخلقها الله تعالى إلا في الجنة في بعض الأوقات (١) ، ثم لا يخفى ضعف ما ذكره بعض المعتزلة من أن العينين أعني الدنيوية والأخروية ، لما كانت مثلين لزم تساويهما في الأحكام واللوازم والشروط ، وأن الشروط والموانع يجب أن تكون منحصرة فيما ذكرنا للدوران القطعي. ولأنه إذا قيل لنا إن هناك مرئيا آخر مقرونا بجميع ما ذكر من الشرائط ، وانتفاء الموانع إلا أنه لا يرى لانتفاء شرط أو تحقق مانع غير ذلك ، فنحن نقطع ببطلانه. واحتج الإمام الرازي على بطلان انحصار الشرائط فيما ذكروه بوجهين :
أحدهما : ومبناه على قاعدة المتكلمين. أعني تركب الجسم من أجزاء لا تتجزأ. أنا نرى الجسم الكبير من البعد صغيرا ، وما ذاك إلا لرؤية بعض أجزائه دون البعض مع استواء الكل في الشرائط المذكورة ، فلو لا اختصاص البعض بشرط وارتفاع مانع لما كان كذلك.
وثانيهما : أنا نرى ذرات الغبار عند اجتماعها ولا نراها عند تفرقها مع حصول الشرائط المذكورة في الحالين. فعلمنا اختصاصها حالة التفرق بانتفاء شرط أو وجود مانع. لا يقال بل ذاك لانتفاء شرط الكثافة ، وتحقق مانع الصغر ، لأنا نقول : فحينئذ تكون رؤية كل ذرة مشروطة بانضمام الأخرى إليها وهو دور.
واجيب : عن الأول بمنع التساوي فإن أجزاء الجسم متفاوتة في القرب والبعد من الحدقة. فلعلّ بعضا منها يقع في حد البعد المانع من الرؤية بخلاف البعض.
وعن الثاني : بأنه دور معية لا تقدم.
__________________
(١) في (ب) الأزمان بدلا من (الأوقات).