وهي بالفعل. وذكر الإمام الرازي وتبعه بعض المعتزلة أن العبد عندهم موجد لأفعاله على سبيل الصحة والاختيار. وعند الحكماء على سبيل الإيجاب بمعنى أن الله تعالى يوجب للعبد القدرة والإرادة ثم هما يوجبان وجود المقدور ، وأنت خبير بأن الصحة إنما هي بالقياس إلى القدرة. وأما بالقياس إلى تمام القدرة والإرادة فليس إلا الوجوب ، وأنه لا ينافي الاختيار ، ولهذا صرح المحقق في قواعد العقائد أن هذا مذهب المعتزلة والحكماء جميعا. نعم إن إيجاد (١) القوى والقدر عند المعتزلة بطريق الاختيار ، وعند الحكماء بطريق الإيجاب لتمام الاستعداد ، ثم المشهور فيما بين القوم ، والمذكور في كتبهم أن مذهب إمام الحرمين ، أن فعل العبد واقع بقدرته وإرادته إيجابا (٢) كما هو رأي الحكماء ، وهذا خلاف ما صرح به الإمام فيما وقع إلينا من كتبه ، قال في الإرشاد : اتفق أئمة السلف قبل ظهور البدع والأهواء على أن الخالق هو الله ، ولا خالق سواه ، وأن الحوادث كلها حدثت بقدرة الله تعالى من غير فرق بين ما يتعلق قدرة العباد به ، وبين ما لا يتعلق ، فإن تعلق الصفة بشيء لا يستلزم تأثيرها فيه كالعلم بالمعلوم والإرادة بفعل الغير ، فالقدرة الحادثة لا تؤثر في مقدورها أصلا ، واتفقت المعتزلة ومن تابعهم من أهل الزيغ على أن العباد موجدون لأفعالهم ، مخترعون لها بقدرهم ثم المتقدمون منهم كانوا يمنعون من تسمية العبد خالقا لقرب عهدهم بإجماع السلف على أنه لا خالق إلا الله. واجترأ المتأخرون فسموا العبد خالقا على الحقيقة هذا كلامه ، ثم أورد أدلة الأصحاب ، وأجاب عن شبه المعتزلة ، وبالغ في الرد عليهم وعلى الجبرية (٣) ، وأثبت للعبد كسبا وقدرة مقارنة للفعل غير مؤثرة فيه ، وأما الأستاذ فإن أراد أن قدرة العبد غير مستقلة بالتأثير ، وإذا انضمت إليها قدرة الله تعالى صارت
__________________
(١) في (أ) بزيادة حرف (إن).
(٢) في (ب) بزيادة لفظ (إيجابا).
(٣) الجبرية : مذهب تقول به بعض الفرق الإسلامية اشتقت الجبرية من الجبر ، وهو نفي الفعل حقيقة من الإنسان ونسبته إلى الله تعالى لهذا تعتبر الجبرية ضد مذهب القدرية ، إذ أن الجبرية تنفي الإرادة الإنسانية حقيقة واختلف القائلون بالجبرية فمنهم من اعتنق الجبرية الخالصة كالجهمية وهؤلاء لا يثبتون للإنسان فعلا ولا قدرة على فعل شيء أصلا ، وبعض الجبرية تنسب للإنسان قدرة ولكنها غير مؤثرة أصلا إذ أن القدرة المؤثرة تعتبر كسبا وليست جبرا وبعض الجبرية يقولون : إن أفعال الإنسان أعمال لا فاعل لها.
راجع معجم القاموس الإسلامي ج ١ ص ٥٧٧.