مستقلة بالتأثير بتوسط هذه الإعانة على ما قدره البعض ، فقريب من الحق ، وإن أراد أن كلّا من القدرتين مستقلة بالتأثير فباطل لما سبق. وكذا الجبر المطلق ، وهو أن أفعال الحيوانات بمنزلة حركات الجمادات لا تتعلق بها قدرتها لا إيجادا ولا كسبا ، وذلك لما نجد من الفرق الضروري بين حركة المرتعش وحركة الماشي ، فبقي الكلام بين الكسبية والقدرية. ولكن لا بد أولا من بيان معنى الكسب دفعا لما يقال إنه اسم بلا مسمى. فاكتفى بعض أهل السنة ، بأنا نعلم بالبرهان أن لا خالق سوى الله تعالى ، ولا تأثير إلا للقدرة القديمة ، ونعلم بالضرورة أن القدرة الحادثة للعبد تتعلق ببعض أفعاله كالصعود دون البعض كالسقوط فيسمى أثر تعلق القدرة الحادثة كسبا وإن لم يعرف حقيقته (١).
قال الإمام الرازي : هي صفة تحصل بقدرة العبد بفعله الحاصل بقدرة الله تعالى ، فإن الصلاة والقتل مثلا كلاهما حركة ، ويتمايزان بكون إحداهما طاعة ، والأخرى معصية ، وما به الاشتراك غير ما به التمايز فأصل الحركة بقدرة الله تعالى ، وخصوصية الوصف بقدرة العبد ، وهي المسماة بالكسب (٢) ، وقريب من ذلك ما يقال أن أصل الحركة بقدرة الله ، وتعينها بقدرة العبد وهو الكسب وفيه نظر. وقيل الفعل الذي يخلقه الله تعالى في العبد ، ويخلق معه قدرة للعبد متعلقة به يسمى كسبا للعبد بخلاف ما إذا لم يخلق معه تلك القدرة ـ وقيل إن للعبد قدرة تختلف بها النسب والإضافات فقط كتعيين أحد طرفي الفعل والترك وترجيحه ، ولا يلزم منها وجود أمر حقيقي. فالأمر الإضافي الذي يجب من العبد ، ولا يجب عند وجود الأثر هو الكسب ، وهذا ما قالوا هو ما يقع به المقدور بلا صحة انفراد القادرية وما يقع في محل قدرته
__________________
(١) كما قال ذلك الإمام الأشعريّ وأتباع مذهبه.
(٢) الكسب : لغة طلب الشيء والحصول عليه. وفي اصطلاح المتكلمين ، حظ الإنسان من الاختيار فيما يصدر عنه من أعمال ، يراد بذلك أن الأفعال الإنسانية يخلقها الله بقدرة يحدثها. وليس للإنسان إلا أن يصرف هذه الأفعال إلى الخير أو الشر ويسمى أيضا (اكتسابا) قال بهذا الإمام الأشعريّ ، وصار رأي أهل السنة من بعده وهو مذهب وسط بين القول بالجبر الذي ينفي قدرة العبد على إيجاد الفعل أو توجيهه نحو غاية معينة. وبين مذهب المعتزلة الذي يعزو الى الإنسان قدرة تخلق الفعل وتبين وجهته من الخير أو الشر.
راجع الموسوعة العربية الميسرة ص ١٤٦٢.