بخلاف الخلق ، فإنه ما يقع به المقدور مع صحة انفراد القادرية وما يقع لا في محل قدرته ، فالكسب لا يوجب وجود المقدور بل يوجب من حيث هو كسب اتصاف الفاعل بذلك المقدور ، ولهذا يكون مرجعا لاختلاف الإضافات ككون الفعل طاعة أو معصية حسنا أو قبيحا ، فالاتصاف بالقبيح بقصده وإرادته قبيح بخلاف خلق القبيح فإنه لا ينافي المصلحة والعاقبة الحميدة ، بل ربما يشتمل عليهما. وملخص الكلام ما أشار إليه الإمام حجة الإسلام الغزالي ، وهو أنه لما بطل الجبر المحض بالضرورة وكون العبد خالقا لأفعاله بالدليل ، وجب الاقتصاد في الاعتقاد وهو أنها مقدورة بقدرة الله تعالى اختراعا ، وبقدرة العبد على وجه آخر من التعلق يعبر عنه عندنا بالاكتساب ، وليس من ضرورة تعلق القدرة بالمقدور أن يكون على وجه الاختراع. إذ قدرة الله تعالى في الأزل متعلقة بالعالم من غير اختراع ، ثم تتعلق به عند الاختراع نوعا آخر من التعلق ، فحركة العبد باعتبار نسبتها إلى قدرته تسمى كسبا له ، وباعتبار نسبتها إلى قدرة الله تعالى خلقا ، فهي خلق للرب ووصف للعبد ، وكسب له ، وقدرته خلق للرب ووصف للعبد وليس بكسب له.