بَأْسَنا) (١) فجعلهم مكذبين. وصرح آخر : بأنه لو شاء لهداكم أجمعين. وقد يتمسك بقوله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٢) وقوله تعالى (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) (٣).
ورد الأول بعد تسليم العموم بأن المعنى لأمرهم بالعبادة أو ليتذللوا أو ليكونوا عبادا لي.
والثاني : بعد تسليم كون الإشارة إلى ما وقع بأن المعنى مكروها بين الناس وفي مجاري العادات).
مذهب أهل الحق أن إرادة الله تعالى متعلقة بكل كائن ، غير متعلقة بما ليس بكائن ، على ما اشتهر من السلف ، وروي مرفوعا إلى النبي عليهالسلام «إن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن» (٤) لكن منهم من منع التفصيل بأن يقال إنه يريد الكفر والظلم والفسق كما في الخلق يقال ، إنه خالق الكل ، ولا يقال : خالق القاذورات والقردة والخنازير ، وخالفت المعتزلة في الشرور والقبائح ، فزعموا أنه يريد من الكافر الإيمان ، وإن لم يقع لا الكفر وإن وقع ، وكذا يريد من الفاسق الطاعة لا الفسق ، حتى أن أكثر ما يقع من العباد خلاف مراده. والظاهر أنه لا يصبر على ذلك رئيس قرية من عباده.
حكى أنه دخل القاضي عبد الجبار (٥) دارا للصاحب بن عباد فرأى الأستاذ أبي إسحاق الأسفرائني. فقال «سبحان من تنزه عن الفحشاء». فقال الأستاذ على الفور «سبحان من لا يجري في ملكه إلا ما يشاء» والتقصي عن ذلك (٦) ، بأنه أراد من العباد الإيمان والطاعة برغبتهم واختيارهم ، فلا عجز ولا نقيصة ولا مغلوبية له في عدم
__________________
(١) سورة الأنعام آية رقم ١٤٨.
(٢) سورة الذاريات آية رقم ٥٦.
(٣) سورة الإسراء آية رقم ٢٨.
(٤) الحديث رواه أبو داود في الأدب رقم ١٠١ بلفظ (لا قوة إلا بالله ما شاء الله كان).
(٥) هو عبد الجبار بن أحمد الهمزاني أبو الحسين : قاض أصولي ، كان شيخ المعتزلة في عصره ، وهم يلقبونه قاضي القضاة ، ولا يطلقون هذا اللقب على غيره ، ولي القضاء بالري ، ومات فيها عام ٤١٥ ه له تصانيف كثيرة منها تنزيه القرآن عن المطاعن (والأصول الخمسة) (والمغني في التوحيد).
لسان الميزان ٣ : ٣٨٦ وتاريخ بغداد ١١ : ١١٣.
(٦) في (ب) المفضى.