وقوع ذلك ، كالملك إذا أراد دخول القوم داره رغبة واختيارا لا كرها واضطرارا ، فلم يدخلوا ليس بشيء لأنه لم يقع هذا المراد ووقع مرادات العبيد والخدم ، وكفى بهذا نقيصة ومغلوبية لنا على إرادته للكائنات أنه خالق لها بقدرته من غير إكراه ، فيكون مريدا لها ضرورة أن الإرادة هي الصفة المرجحة لأحد طرفي الفعل والترك ، (١) وعلى عدم إرادته لما ليس بكائن أنه علم عدم وقوعه ، فعلم استحالته لاستحالة انقلاب علمه جهلا والعالم باستحالة الشيء لا يريده البتة.
واعترض بأن خلاف المعلوم مقدور له في نفسه ، والمقدور إذا كان متعلق المصلحة يجوز أن يكون مرادا وإن علم أنه لا يقع البتة وبأن من أخبره النبي الصادق بأن فلانا يقتله البتة يعلم ذلك قطعا مع أنه لا يريد قتله بل حياته.
والجواب أن هذا تمن لا إرادة ، فإنها الصفة التي شأنها التخصيص والترجيح ، وأما الآيات والأحاديث في هذا الباب ، فأظهر من أن تخفى ، وأكثر من أن تحصى ، (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ ، وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (٢) (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) (٣) (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) (٤) (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) (٥) (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (٦) (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) (٧) (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٨) (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٩).
__________________
(١) في (ب) العقل بدلا من الفعل.
(٢) سورة الأنعام آية رقم ١١١.
(٣) سورة الأنعام آية رقم ١٢٥.
(٤) سورة هود آية رقم ٣٤.
(٥) سورة الأنعام آية رقم ٣٥ وقد جاءت هذه الآية محرقة في (ب) حيث قال : لجعلهم بدلا من (لجمعهم).
(٦) سورة النحل آية رقم ٩.
(٧) سورة التوبة آية رقم ٥٥.
(٨) سورة القصص آية رقم ٥٦.
(٩) سورة يونس آية رقم ٢٥.