وللمعتزلة فيها تأويلات فاسدة ، وتعسفات باردة يتعجب منها الناظر ، ويتحقق أنهم فيها محجوجون ، وبوهقها مخنوقون ، ولظهور الحق في هذه المسألة يكاد عامتهم به يعترفون ، ويجري على ألسنتهم أن ما لم يشأ الله لا يكون. ثم العمدة القصوى لهم في الجواب عن أكثر الآيات حمل المشيئة على مشيئة القسر والإلجاء ، وحين سئلوا عن معناها تحيروا. فقال العلاف (١) معناها خلق الإيمان والهداية فيهم بلا اختيار منهم.
وردّ بأن المؤمن حينئذ يكون هو الله لا العبد على ما زعمتم في إلزامنا (٢) حين قلنا بأن الخالق هو الله تبارك وتعالى وعزوجل مع قدرتنا واختيارنا وكسبنا ، فكيف بدون ذلك؟ فقال الجبائي : معناها خلق العلم الضروري بصحة الإيمان ، وإقامة الدلائل المثبتة لذلك العلم الضروري.
ورد بأن هذا لا يكون إيمانا والكلام فيه على أن في بعض الآيات دلالة على أنهم لو رأوا كل آية ودليل لا يؤمنون البتة فقال ابنه أبو هاشم معناها : أن خلق لهم العلم الضروري بأنهم لو لم (٣) يؤمنوا لعذبوا عذابا شديدا وهذا أيضا فاسد ، (٤) ، لأن كثيرا من الكفار كانوا يعلمون ذلك ، وكذا إبليس ولا يؤمنون على أنه قال تعالى (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها ، وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (٥). يشهد بفساد تأويلاتهم لدلالته على أنه إنما لم يهد الكل لسبق الحكم بملء جهنم ولا خفاء في أن الإيمان والهداية بطريق الجبر لا يخرجهم عن استحقاق جهنم سيما عند المعتزلة. وتمام تفصيل هذا المقام وتزييف تأويلاتهم في المطولات وكتب التأويلات والمعتزلة تمسكوا في دعواهم بوجوه :
__________________
(١) هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي مولى عبد القيس أبو الهذيل العلاف من أئمة المعتزلة ولد في البصرة عام ١٣٥ ه واشتهر بعلم الكلام. قال المأمون : أطل أبو الهذيل على الكلام كإطلال الغمام على الأنام ، له مقالات في الاعتزال. كف بصره في آخر عمره مات عام ٢٣٥ ه راجع وفيات الأعيان ١ : ٤٨٠ ومروج الذهب ٢ : ٢٩٨.
(٢) سقط من (أ) حرف الجر (في).
(٣) في (ب) بزيادة لفظ (الضروري).
(٤) في (أ) بزيادة لفظ (فاسد).
(٥) سورة السجدة آية رقم ١٣.