فإن قيل : كلامنا في تكليف التحقيق والمعاقبة على الترك لا في التكليف لأسرار أخر كما في التحدي.
قلنا : نحن أيضا إنما نعتبر احتمال أسرار أخر في ذلك التكليف ، وفي تثبيت استحقاق العقاب.
قال (ثم المتنازع)
(في الأول ما أمكن في نفسه ولم يقع متعلقا لقدرة العبد أصلا كخلق الأجسام أو عادة كالصعود إلى السماء لا ما امتنع لذاته كجمع النقيضين. فإن الجمهور على امتناع التكليف به بناء على أنه يستدعي تصور المكلف به واقعا ، والمستحيل لا يتصور إلا على سبيل التشبيه والنفي ولا ما امتنع لسابق علم أو إخبار من الله تعالى بعدم وقوعه ، فإن التكليف به واقع وفاقا. ثم النزاع في الجواز ، وإلا فالوقوع منفي بحكم النص والاستقراء ، وفي التكليف بمعنى طلب تحقيق الفعل والإتيان به ، واستحقاق العذاب على الترك ، وإلا فعل قصد التعجيز واقع وفاقا ، وبهذا يظهر أن تمسك المانعين بمثل (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (١) ليس على المتنازع ، وكذا تمسك المجوزين بمثل (فَأْتُوا بِسُورَةٍ) (٢) وبأن فعل العبد ليس بقدرته وبأن التكليف قبل الفعل والقدرة معه وبأن من علم الله أنه لا يؤمن مكلف بالإيمان مع استحالته منه لاستحالة الجهل على الله تعالى. وفي كلام كثير من المحققين أن التكليف بالممتنع لذاته كجمع النقيضين جائز بل واقع. لأن مثل أبي لهب (٣) مكلف بأن يصدق في جميع ما جاء به ، ومن جملته أنه لا يصدقه أصلا ، فقد كلف بأن يصدقه فى أنه لا يصدقه ، وهو جمع للنقيضين.
والجواب : بأن المكلف به ليس إلا تحصيل الإيمان وهو ممكن في نفسه ممتنع لسابق العلم والإخبار ، أو بأنه إنما كلف التصديق بما عدا هذا الإخبار ضعيف).
__________________
(١) سورة البقرة آية رقم ٢٨٦.
(٢) سورة البقرة آية رقم ٢٣.
(٣) هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هشام من قريش ، عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأحد الأشراف الشجعان في الجاهلية ، ومن أشد الناس عداوة للمسلمين في الإسلام ، كان غنيا عتيا كبر عليه أن يتبع دينا جاء به ابن أخيه فآذى أنصاره وحرّض عليه وقاتلهم كان أحمر الوجه فلقب بأبي لهب مات بعد وقعة بدر بأيام ولم يشهدها عام ٢ ه.