الموت ، وما بين الموت والبعث ، ثم شاع استعماله في آخر مدة الحياة ، فلذا يفسر بالوقت الذي علم الله تعالى بطلان حياة الحيوان فيه ، ثم من قواعد الباب أن المقتول ميت بأجله أي موته كائن في الوقت الذي علم الله تعالى في الأزل وقدر حاصل بإيجاد الله تعالى من غير صنع للعبد مباشرة ، ولا توليدا ، وأنه لو لم يقتل لجاز أن يموت في ذلك الوقت ، وأن لا يموت من غير قطع بامتداد العمر ، ولا بالموت بدل القتل ، وخالف في ذلك طوائف من المعتزلة. فزعم الكعبي (١) أنه ليس بميت لأن القتل فعل العبد ، والموت لا يكون إلا فعل الله تعالى أي مفعوله ، وأثر صنعه.
وردّ بأن القتل قائم بالقاتل حال فيه لا في المقتول ، وإنما فيه الموت ، وانزهاق الروح الذي هو إيجاد الله تعالى عقيب القتل بطريق جري العادة ، وكأنه يريد بالقتل المقتولية ، ويجعلها نفس بطلان الحياة ، ويخص الموت بما لا يكون على وجه القتل على ما يشعر به قوله تعالى (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ) (٢) الآية لكن لا خفاء في أن المعنى مات حتف أنفه ، وأن مجرد بطلان الحياة موت ، ولهذا قيل : إن في المقتول معنيين قتلا هو من فعل القاتل ، وموتا هو من فعل الله تعالى. وزعم كثير منهم أن القاتل قد قطع عليه الأجل ، وأنه لو لم يقتل لعاش إلى أمد هو أجله الذي علم الله تعالى موته فيه لو لا القتل ، وزعم أبو الهذيل أنه لو لم يقتل لمات البتة في ذلك الوقت ، لنا الآيات والأحاديث الدالة على أن كل هالك مستوف أجله من غير تقدم ولا تأخر ، ثم على تقدير عدم القتل ، لا قطع بوجود الأجل وعدمه ، فلا قطع بالموت ولا الحياة. فإن عورض بقوله تعالى (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا
__________________
(١) هو عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبيّ من بني كعب ، البلخيّ الخراسانيّ أبو القاسم ، أحد أئمة المعتزلة ، كان رأس طائفة منهم تسمى الكعبية وله آراء ومقالات في الكلام انفرد بها ، وهو من أهل بلخ أقام ببغداد مدة طويلة ، وتوفي ببلخ عام ٣١٩ ه له كتب منها «التفسير» وتأييد مقالة أبي الهذيل ، وأدب الجدل ، ومفاخر خراسان ، والطعن على المحدثين ، انثى عليه أبو حيان التوحيدي ، وقال الخطيب البغداديّ صنف في الكلام كتابا كثيرة وانتشرت كتبه في بغداد.
راجع تاريخ بغداد ٩ : ٣٨٤ المقريزي ٢ : ٣٤٨ ووفيات الأعيان ١ : ٢٥٢
(٢) سورة آل عمران آية رقم ١٤٤