أجيب : بأنكم لا تعتبرون في وجوب الأصلح جانب المعلوم حيث تزعمون أن من علم الله تعالى أنه لو كلفه طغى وعصى واستكبر وكفر يجب على الله تعويضه للثواب مع علمه بأنه لا يدركه بل يقع في العقاب ولو أنه اخترمه قبل كمال العقل خلص نجيا.
السادس : يلزم أن تكون إماتة الأنبياء والأولياء المرشدين بعد حين وتبقية إبليس وذرياته المضلين إلى يوم الدين أصلح لعباده وكفى بهذا فظاعة.
السابع : من علم الله تعالى منه الكفر والعصيان أو الارتداد بعد الإسلام ، فلا خفاء في أن الإماتة أو سلب العقل أصلح له ولم يفعل.
فإن قيل : بل الأصلح التكليف والتعريض للنعيم الدائم لكونه أعلى المنزلتين.
قلنا : فلم لم يفعل ذلك بمن مات طفلا ، وكيف لم يكن التكليف والتعريض لأعلى المنزلتين أصلح له ، وبهذه النكتة ألزم الأشعري الجبائي ورجع عن مذهبه.
فإن قيل : علم من الطفل أنه إن عاش ضل وأضل غيره فأماته لمصلحة الغير.
قلنا : فكيف لم يمت فرعون (١) وهامان (٢) ومزدك وزرادشت وغيرهم من الضالين المضلين أطفالا ، وكيف لم يكن منع الأصلح عمن لا جناية له لأجل مصلحة الغير سفها وظلما.
__________________
(١) فرعون : اسم أعجمي ممنوع من الصرف ، والجمع : فراعنة كقياصرة وأكاسرة وهو اسم لكل من ملك مصر ، فإذا أضيفت إليها الاسكندرية سمي عزيزا واختلف في اسمه ، فقيل : مصعب بن الوليد. وقيل : ريان بن الوليد ، وقيل : الوليد بن ريان ، وكان أصله من خراسان من مدينة بسورمان ، وقيل من قرية مجهولة تسمى : نوشخ ، ولما قعد على سرير الملك قال : أين عجائز نوشخ وقد صدر منه ما لم يصدر من أحد من الكفار والمتمردين ، ولا من قائدهم إبليس ، منها إنكار العبودية ـ ودعوى الربوبية بقوله : (أنا ربكم الاعلى).
(٢) هامان : هو اسم أعجمي ، وقد تقدمت نظائره ، وكان وزير فرعون ، وأصله من خراسان من قرية يقال لها بوشنج ، وكان قد قرأ كتب المتقدمين ، وكان له اليد الطولى في حساب النجوم ، وكان يستدل من طالعه على مجمل أحواله وأحوال فرعون فاتفقا وسافرا جميعا من خراسان إلى أن بلغ أمرهما ما بلغ ، وذكر شواهد شقاوته وخذلانه في مواضع من الكتاب العزيز.