نسلم (١) أن مخالفة أحدهما للآخر ، وإرادة ضد ما أراده ممكنة حتى يكون عدم القدرة عليها عجزا! وذلك أن الممكن في نفسه ربما يصير ممتنعا بحسب شرط ، ككون الجسم في هذا الحيز حال الكون في حيز آخر.
والجواب : أن الممكن في ذاته ممكن على كل حال ضرورة امتناع الانقلاب ، والممتنع فيما ذكرتم من تحيز الجسم هو الاجتماع أعني كونه في آن واحد ، في حيزين فكذا هاهنا يمتنع اجتماع الإرادتين ، وهو لا ينافي إمكان كل منهما ، فتعين أن لزوم المحال ، إنما هو من وجود الإلهين. فإن قيل : كل منهما عالم بوجوه المصالح والمفاسد. فإذا (٢) على المصلحة في أحد الضدين ، امتنع إرادة الآخر.
قلنا : لو سلم كون الإرادة تابعة للمصلحة ، ففرض الكلام فيما إذا استوت في الضدين وجوه المصالح.
فإن قيل : ما ذكرتم لازم في الواحد إذا وجد المقدور ؛ فإنه لا يبقى قادرا عليه ، ضرورة امتناع إيجاد الموجود فيلزم أن لا يصلح للألوهية.
قلنا : عدم القدرة منا على تنفيذ القدرة ليس عجزا بل كمالا للقدرة بخلاف عدم القدرة بناء على سد الغير طريق القدرة عليه ، فإنه عجز بتعجيز الغير إياه.
وهذا البرهان يسمى برهان التمانع وإليه الإشارة (٣) بقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (٤).
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (نسلم).
(٢) في (ب) فإن بدلا من (فإذا).
(٣) في (ب) أشار بدلا من (الإشارة).
(٤) سورة الأنبياء آية رقم ٢٢ وتقرير الدليل كما يسوقه علماء الكلام لو كان في السموات والأرض إله غير الله لتنازعت الإرادتان بين سلب وإيجاب ، وأن هذا التنازع يؤدي إلى فسادهما لتناقض الإرادتين ولكنهما صالحان غير فاسدين فبطل ما يؤدي إلى الفساد فكانت الوحدانية فسبحان رب العرش عما يصفون ومن ذلك أيضا قوله تعالى: (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) وإذا ثبت أنه ليس فيه اختلاف ولا تضارب في مقرراته ولا عباراته فإنه يثبت النقيض وهو أنه من عند الله تعالى.
المعجزة الكبرى لمحمد أبو زهرة ص ٤٠١.