ألا ترى أنّ من أكل لحم الغنم المغصوب فهو من حيث إنّه أكل لحم الغنم ليس في مضيقة ، يعني لا يقال له : لم أكلت لحم الغنم ، كما لو كان أكل لحم الخنزير يؤاخذ من جهة أكل لحمه ، ولكن عدم مؤاخذته من هذه الجهة لا ينافي أبدا مع مؤاخذته ومسئوليّته من حيث إنّه أكل مال الغير بغير رضاه.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا عدم جريان البراءة النقليّة في أطراف الشبهة بوجه كالعقليّة، وإذن فلا محيص عن الاحتياط في جميع الأطراف.
هذا كلّه بناء على ما نختاره في الأحكام الواقعيّة من أنّها فعليّة من قبل المولى ، يعنى ليس لها من قبله نقص وحالة منتظرة ، ويتمحّض المانع في ما يكون من قبل المكلّف من اجتماعه شرائط التكليف ، وبعبارة اخرى : الأحكام المذكورة تكون بحيث إذا علم بها من استكمل الشرائط كانت فعليّة بمجرّد ذلك ، وهذا ظاهر دعاوي الإجماعات وظاهر الأدلّة المثبتة للتكاليف أيضا ، وإنّما صرفها عن ظاهرها من قال للأحكام بمراتب ، لزعمه عدم إمكان الجمع بين الأحكام الظاهريّة مع فعليّة الأحكام الواقعيّة ، ونحن حيث قد بيّنا في محلّه إمكانه باختلاف رتبة الحكمين ، فلا مانع عن إبقاء الأدلّة على ظواهرها من الفعليّة.
وكيف كان فربّما يقال : إنّه على القول بثبوت المراتب للحكم الواقعي نجمع بين هذه الأدلّة المرخّصة مع ما يدلّ على حرمة العنوان الواقعي بحمل الثاني على الحكم الشأني ، وحينئذ تجري البراءة في كلّ من المشتبهين ؛ إذ غاية ما يلزم مخالفة الحكم الشأني ، ولا ضير فيها ولو علم تفصيلا.
والحاصل : لا فرق عند هذا القائل بين الشبهة البدويّة والمقرونة بالعلم ، فكما يصرف دليل الحرام الواقعي عن ظاهره بواسطة دليل الرخصة في الاولى فلا بدّ أن يفعل ذلك في الثانية ، فلا فرق بين ما لو شكّ أنّ هذا المائع خمر أو ماء ، وبين ما لو علم بكون أحد الإنائين خمرا ، فإنّ المقامين مشتركان في كبرى معلومة وهو العلم بأنّ الخمر حرام ، نعم يزداد الثاني على الأوّل بانضمام صغرى معلومة وهو العلم بوجود الخمر إجمالا إلى تلك الكبرى ، ولكنّ العمدة هى الكبرى بمعنى أنّ