انتهاء وجود موضوعه إنّما هو بدلالة العقل وحكمه ؛ لأنّ التكليف بالاجتناب عن المعدوم تكليف محال. (١)
__________________
(١) اعلم أنّه لا مجال لهذا البحث على تقدير أن يكون النهي في «لا تشرب» مثلا متعلّقا بصرف الوجود ، فإنّه بعد الاضطرار سواء إلى المعيّن أو غيره قبل العلم أم بعده يجب الاجتناب عن الآخر ، فإنّ غاية الأمر كونه شبهة بدويّة ، وعرفت أنّ الشبهة الموضوعيّة من هذا القسم واجب الاجتناب وإن كانت بدويّة ، فالبحث إنّما هو على تقدير كون النهي متعلّقا بالوجود الساري ، فكلّ فرد فرد من الخمور الخارجيّة موضوع لنهي مستقلّ وله إطاعة ومعصية مستقلّتان.
وحينئذ نقول : إمّا نفرض العموم الاستغراقي بالنسبة إلى الزمان في النهي في كلّ فرد ، فهو في كلّ فرد أيضا ينحلّ إلى نواهي عديدة بعدد الازمان ، وإمّا لا نفرض كذلك ، بل نقول : إنّ النهي في كلّ ممتدّ بامتداد الزمان ، فلا تحصل إطاعة كلّ فرد إلّا بعد فقدانه أو موت المكلّف ولم يشربه ، وأمّا مع وجودهما وإن مضى على ذلك سنون فلا إطاعة ولا معصية.
وعلى هذا قد يفرض الاضطرار قيدا للتكليف ، فلو علم المكلّف بأنّه سيضطرّ في أحد أزمنة عمره إلى شرب هذا الفرد جاز له شربه من هذا الحين ، فإنّه علم بأنّ هذا التكليف الواحد غير ممكن الإطاعة ، وقد يفرض قيدا للفعل أو متعلّقه فنقول : الشرب أو الخمر المضطرّ إليه لا نهي عنه ، ومورد النهي هو الشرب أو الخمر الغير المضطرّ إليه ، وعلى هذا فلا يجوز الشرب قبل حدوث الاضطرار وإن على بحدوثه في ما بعد.
ثمّ المتعيّن من هذين هو الثاني ، لأنّا نعلم بالضرورة أنّ من يعلم باضطراره في الغد إلى شرب الخمر لا يجوز له قبل الغد.
وأمّا الوجهان الأوّلان أعني ملاحظة العموم بالنسبة إلى الأزمنة في كلّ فرد وعدمه فكلّ ممكن. فإن قلت : يمكن استظهار الأوّل بملاحظة حال الغصب ، فإنّ المقدار الواحد منه يزداد عصيانه قطعا بازدياد مدّته.
قلت : لا دلالة فيه على ذلك ، فإنّ النهي المتعلّق بالوجود الساري كما يتعدّد بتعدّد الوجودات ، يختلف شدّه وضعفا باختلاف الوجودات كذلك ، فالقطرة من الخمر فرد والحبّ منه أيضا فرد ، وكلّ منهما تعلّق به نهي واحد. لكنّ النهي في الثاني أشدّ من الأوّل بمقدار أشديّة الحبّ من القطرة. وبالجملة ، حال النهي على هذا حال البرودة العارضة للوجود الساري للماء ، فكما يتعدّد بتعدّد الماء يختلف شدّة وضعفا على حسب اختلافه كذلك، وعلى هذا فالغاصب المذكور يكون في أثناء ـ