وبالجملة ، ففقد الموضوع حدّ ومنتهى للتكليف عقلا ، لا شرعا ، وأمّا الاضطرار إلى ترك المكلّف به فهو حدّ وغاية للتكليف شرعا لقوله : «إلّا ما اضطررتم» ففي الأوّل الاشتغال اليقيني بالتكليف المطلق يقتضي الفراغ اليقيني ، وأمّا في الثاني فالاشتغال اليقيني وإن حصل ، ولكن بالتكليف المحدود ، وقضيّة ذلك أن يكون اليقين بالاشتغال أيضا أمده محدودا بهذا الحدّ ، فإذا تحقّق هذا الحدّ في أحد الطرفين فلا يقين بعد ذلك بالاشتغال ، بل ينقلب بالشكّ البدوي ، وأمّا في الصورة فبعد ما تحقّق وثبت اليقين بالاشتغال بالتكليف نشكّ في مجيئي حدّه العقلي أولى ، ومن المعلوم اقتضاء اليقين السابق الفراغ اليقيني حتّى يعلم بحصول الحدّ العقلي.
هذا غاية تقريب ما يقال ، ولكنّه بعد محلّ نظر ، بل منع ، وتوضيح المقام بتقديم مقدّمة وهى : أنّه لو كان أحد الطرفين فردا واحدا والآخر أفراد متعدّدة غير الفرد
__________________
ـ المعصية ولم يتمّ معصيته بعد.
إذا عرفت ذلك فنقول : إن لم يعتبر العموم الأزماني في كلّ فرد ، بل اعتبر الزمان ظرفا ، فإن كان الاضطرار قيدا للتكليف لم يجب الاجتناب في الاضطرار إلى الواحد المعيّن ، سواء حدث قبل العلم أم بعده ؛ لأنّه في الثاني أيضا يعلم بعدم التكليف من الابتداء على تقدير كون المضطرّ إليه هو الخمر ، والآخر مشكوك بدوىّ ، لكن هذا مقطوع العدم كما مرّ ، فيدور الأمر بين ظرفيّة الزمان مع كون الاضطرار قيدا منوّعا للموضوع ، وبين العموم الأزماني في كلّ فرد ، وعلى كلّ حال فالقاعدة مع حدوث الاضطرار إلى المعيّن بعد العلم هو الاشتغال.
أمّا على الأوّل ؛ فلأنّه يعلم بتوجّه خطاب «لا تشرب» إليه ، ولكن يتردّد في أنّ مدّته هل كانت ساعة مثلا أو أكثر منها ، فيكون من باب الدوران بين التكليف القصير والتكليف الطويل في موضوعين ، ومن المعلوم أنّ القاعدة فيه الاشتغال.
وأمّا على الثاني ؛ فلأنّه أيضا يعلم بتوجّه الخطاب المزبور إليه ، لكن يتردّد في عدده بين عشرة خطابات مثلا في هذا الإناء أو أكثر في تلك ، فيكون من قبيل الدوران بين التكليف الأقلّ والأكثر في موضوعين ، والقاعدة فيه أيضا هو الاشتغال ، هذا. وقد ذكر استادنا الأعظم دام ظلّه بأنّه قرّر هذا التقريب في مجلس بحث الاستاد الخراساني طاب ثراه فارتضاه ونقل أنّه ذكر ذلك في حاشية الكفاية. منه قدسسره الشريف.