وإنّما الكلام على فرض القول بالاحتياط عقلا ، فإنّه يقال : إنّ من يقول بأنّ منشأ الأثر هو الوجوب النفسي دون المقدّمي والترديد بالنسبة إلى الأوّل باق بحاله ، لا بدّ وأن يقول بأنّ المرفوع والموضوع أيضا هو الوجوب النفسي ، لأنّه شيء يكون في رفعه ووضعه منّة. وحينئذ فيكون الحديث في كلّ من الأقلّ والأكثر جاريا ، فيسقط بالتعارض ، وبالجملة، الكلام على هذا القول هو الكلام في المتباينين.
ويمكن تصحيح البراءة النقليّة على هذا أيضا بأن يقال : إنّ المرفوع والموضوع هو جزئيّة الجزء المشكوك أو شرطيّة الشرط المشكوك ، ولا يلزم المحذور ، ولا يشكل بأنّهما غير قابلين للجعل فلا يشملهما الحديث ، لما مرّ سابقا من أنّ حديث الرفع وكذلك حديث إبقاء ما كان في الاستصحاب غير مختص بما هو مجعول بلا واسطة ، بل يجريان في كلّ شيء تناله يد الشرع نفيا وإثباتا بأيّ نحو ولو بالواسطة ، وهما من هذا القبيل ، فإنّ جعلهما بجعل منشأ الانتزاع.
ولا يشكل أيضا بأنّ تقييد الجزئيّة والشرطيّة بحال العلم بهما مستلزم للدور أو ما هو أشدّ محذوريّة منه ، فإنّه ليس المراد تقييد واقعهما بذلك ، بل تنجّزهما ، فهما بحسب الواقع علم بهما أم لم يعلم ثابتان ، ولكنّهما مرفوعان بحسب الظاهر في حقّ من جهل بهما.
إلّا أنّ هنا إشكالا وهو أن يرفع هذا الأمر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه وهو الأمر بأحد عشر أجزاء مثلا ، أعني الأمر المتعلّق بالمحدود بهذا الحدّ ، وإذا رفع الطلب عن هذا الحدّ والمفروض وحدة المطلوب وعدم تعرّض الدليل لمطلوبيّة ما نقص عن هذا الحدّ فمن أين يثبت مطلوبيّة سائر الأجزاء بعد ارتفاعها عن حدّ الأكثر.
وبعبارة اخرى : العلم الإجمالي باق ولم ينحلّ على الفرض ، وشيء من دليلى الواقع والرفع لا يتعرّض لحكم وضع ما بقي من الأجزاء على فرض سقوط واحد ، فما الموجب لتعيّن الوجوب النفسي في الأقلّ بعد رفع جزئيّة الجزء ، المشكوك بحديث الرفع ، وكذلك الكلام في الشرط.