الاستحقاق وعدمه أيضا يكون الكلام فيهما ما مضى من التفصيل بين ما إذا كانت الحجّة موجودة وأمكن الوصول إليها بالطريق المتعارف ، وبين غير هذه الصورة ، إلّا أنّ الذي سهّل الخطب في هذه الشبهة وجود الدليل القطعي من إطلاق الأدلّة اللفظيّة على ثبوت البراءة الشرعيّة فيها قبل الفحص وهي قوله صلىاللهعليهوآله : «رفع ما لا يعلمون» وأمثاله ، فإنّه بإطلاقه شامل للموضوع الشخصي المشكوك كونه من أفراد العنوان المحرّم أو المحلّل أو النجس أو الطاهر مع إمكان تبيّن الحال فيه بالفحص ، هذا هو الكلام في شرط البراءة العقليّة.
وأمّا البراءة النقليّة فقد يقال بعدم اشتراطها بالفحص (١) تمسكا بإطلاق نحو
__________________
(١) والتحقيق في المقام أن يقال : لا فرق بين الشبهة الموضوعيّة والحكميّة ، لا في البراءة العقليّة ، ولا في النقليّة ، فالبراءة العقليّة التي هي عبارة عن الترخيص المستند إلى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان يتوقّف في كلتا الشبهتين على الفحص عن الواقع بمقدار المتعارف ؛ إذ مع عدمه ووجود الواقع ووجود الأمارة المتعارفة عليه ليس العقاب بلا بيان ، وهذا واضح.
وأمّا البراءة النقليّة فلا بدّ أوّلا من التكلّم في أنّه هل لأدلّته اللفظيّة من مثل حديث الرفع إطلاق شامل للشبهة بكلتا قسميها قبل الفحص ، فنحتاج في الشبهة الحكميّة التي لا نقول فيها بعدم الفحص إلى التماس الدليل من الإجماع وغيره على وجوب الفحص؟ أو أنّها قاصرة في كلتا القسمين من شمول الشكّ الغير المفحوص عن جهات رفعه ، وذلك للبناء على أنّ لفظ ما لا يعلم ، والشكّ وأمثالهما وإن كانا يصدقان لغة بمحض عدم العلم مطلقا ، ولكنّهما لا يصدقان عرفا إلّا فيما كان للشكّ استقرار ، وأمّا من كان بجنبه من لو سأله يخبره بالواقع مثلا ، والحاصل يكون العلم بالواقع سهل التناول له فلا يصدق في حقّه أنّه لا يعلم.
ألا ترى أنّ من لا يعلم أنّ زيدا مطالب منه وذو دين عليه ، ولكنّه لو نظر في دفتره لاتّضح عليه الحال لا يصدق عليه أنّه جاهل بالحال؟.
وعلى هذا بنى سيّد الأساتيد الميرزا الشيرازي طاب رمسه في الشكوك الصلاتيّة حيث أفتى بتعلّق الأحكام على حالة استقرار الشكّ الحاصل بعد التروّي ، لا على مجرّد حصوله ، وعلى هذا فنحتاج في الشبهة الموضوعيّة التي نقول فيها بالبراءة قبل الفحص إلى التماس الدليل من الإجماع ، فيقتصر على مقداره وهو الشبهات التحريميّة، وباب الطهارة والنجاسة.