__________________
وأمّا الوجوبيّة فلا ، كما لو شكّ في بلوغ مقدار مسيره حدّ المسافة الشرعيّة ، فلا يجوز له الرجوع إلى استصحاب التمام مع إمكان الفحص وتحصيل العلم بسهولة وعلى حسب المتعارف ، وكذا لو شكّ في تعلّق الأخماس أو الزكوات أو ديون الناس بماله مع إمكان تحصيل العلم بالمراجعة والحساب ، أو في كونه مستطيعا كذلك فلا يجوز له الرجوع إلى أصل البراءة.
الإنصاف عدم شمول الأدلّة لمثل الجاهل المتمكّن عن إزالة الجهل بسهولة ، لا نقول : إنّ مادّة العلم أو الشكّ عرفا غيرهما لغة ، فليس هذا الشخص بعالم وهو شاكّ بكلا الاصطلاحين ، لكن حالهما حال الإنسان ذي الرأسين في كونه إنسانا لغة وعرفا ومع ذلك الحكم المعلّق على الإنسان لا يشمله ، وهنا أيضا نقول في قولهعليهالسلام : كلّ شيء حلال حتى تعلم ، مثلا ، هذا الشخص لا يصدق عليه أنّه عالم فلا يجري عليه حكم الغاية ، فيصدق عليه لا محالة «لا عالم» لعدم ارتفاع النقيضين ، ولكن مع ذلك الحكم المعلّق في المغيّا على اللاعالم لا يشمله أو مشكوك الشمول له.
وحينئذ يكفي في عدم الرخصة له حكم العقل بالاشتغال قبل الفحص ولا يلزم دخوله في عنوان العالم ، فإنّ الحكم في العالم إرشادي عقلي ، والتعبّدي مختصّ بحكم اللاعالم ، وقد فرضنا انصرافه عن هذا المصداق العرفي اللغوي من اللاعالم ، فالقضيّة منحلّة إلى قضيّتين ، الاولى : العالم ليس له بحلال ، والثانية : انّ غير العالم له حلال ، فالاولى إرشادية وليس لها انصراف ، فلا يدعى أنّ هذا الشخص عالم ، والثانية شرعيّة وهذا الشخص أيضا غير عالم ، لكن الحكم لا يشمله ، كما أنّ الإنسان ذي الرأسين إنسان لا بقر ولا غيره ، ومع ذلك حكم الإنسان لا يشمله ، فإذا خرج هذا الشخص عن الغاية والمغيّا ، شمله حكم العقل ، هذا.
وأمّا الكلام في العامل بالبراءة قبل الفحص من حيث التبعة والعقوبة فنقول : لو اتفقت مخالفته للتكليف الثابت عليه واقعا الذي لو فحص لظفر به ، فلا يخلو إمّا أن يكون التكليف مطلقا لا مشروطا ولا معلّقا على عنوان خاص ، بل على عنوان المكلّف ، فحينئذ لا شبهة في استحقاقه العقوبة ، وإمّا أن يكون مشروطا بشرط أو وقت فحينئذ استشكل في استحقاقه فيما إذا ترك التعلّم قبل حصول الشرط ودخول الوقت ولم يتمكّن منه بعدهما بناء على ما تقرّر عندهم من أنّ الوجوب المشروط عدم عند عدم الشرط ، فلا وجوب لمقدّمته أيضا التي هي التعلّم ، فلا تصحّ العقوبة على ترك التعلّم عند التمكّن ؛ لعدم الوجوب ، ولا على المخالفة الحاصلة بعد حصول الشرط ودخول الوقت ؛ للعجز وعدم الوجوب أيضا.