قوله : «رفع ما لا يعلمون» ، فإنه كما يكون بإطلاقه شاملا للموضوع المشتبه مع إمكان الفحص ، فكذلك يكون شاملا للحكم المشتبه مع إمكانه أيضا بلا فرق ، لوضوح صدق عنوان «ما لا يعلم» على المسائل المجهولة التي يتمكّن المكلّف من رفع الجهل فيها بالفحص ، والعقل أيضا لا يستقلّ بقبح الترخيص الشرعي قبل الفحص ولهذا يكون ثابتا في الشبهة الموضوعية بلا كلام وإنّما يحكم بقبح العمل على طبق البراءة قبل الفحص مع عدم الترخيص الشرعي ، فإذا ثبت الترخيص الشرعي بالإطلاق المذكور ارتفع حكم العقل بارتفاع الموضوع.
__________________
وأمّا الكلام في العامل بالبراءة التارك للفحص من حيث الأحكام فلا إشكال في عدم إجزاء عمله لو خالف الواقع ووجوب الإعادة عليه في الوقت والقضاء في خارجه ، كما هو الحال في كلّ جاهل ، سواء المعذور وغيره قبل الفحص وبعده.
نعم قد دلّت النصوص والإجماع على إجزاء عمل الجاهل المخالف للواقع في مقامين ، الأوّل في الجهر والإخفات ، والثاني في القصر موضع التمام وبالعكس من حيث القضاء والإعادة ، وأنّه معاقب مع ذلك على مخالفة الواقع لو كان مقصّرا.
فيستشكل عليه من جهتين من حيث القضاء ، الاولى : أنّه إذا كانت الصلاة غير مأتيّ بها على وجهها فما معنى الصحّة والتماميّة؟ والثانية : إذا كان الوقت باقيا فالواجب الحكم بالإعادة ليرفع عنه العقوبة ، لا رفع الإعادة وإثبات العقوبة.
واجيب عن كلتا الجهتين بأنّه من الممكن أن يكون هنا مطلوبين متضادّين غير ممكن الاجتماع في الوجود، وكان أحدهما أهمّ والآخر مهمّ ، وقد امر بهما معا على نحو الترتّب.
واستشكل عليه بمنع الترتّب ، وأنت خبير بأنّ القول بالترتّب حتّى يتوجّه عليه المنع على القول به إنّما يصحّ في مثل القصر والتمام اللذان كلّ منهما مقيّد بقيد ينافي قيد الآخر ، وأمّا في مثل الجهر والإخفات اللذان أحدهما مقيّد والآخر مطلق حيث إنّ المطلوب الأدنى هو الصلاة لا بقيد الجهر لا مقيّدا بالإخفات فالقول بوجود الأمرين وأنّه ممتثل بامتثالين عند إتيان المقيّد وممتثل وعاص عند إتيان صرف الوجود بلا قيده لأنّ المفروض أنّ صرف الوجود غير قابل للتكرار لا يمنعه القائل بالترتّب أيضا ، ولا يتوقّف صحّته على صحّة الترتّب كما هو واضح ، فلا وجه لهذا الابتناء والمنع في كلا المقامين ، كما وقع في الرسائل والكفاية. منه قدسسره الشريف.