إلّا أنّ بعضهم التجأ إلى جعل هذا الوجوب نفسيّا ، حيث أشكل عليهم الأمر في الواجبات المشروطة بالوقت الخاص التي يلزم من ترك تعلّم المسائل قبل وقتها فوتها في الوقت، فإنّه لو قيل حينئذ بوجوب التعلّم قبل الوقت مقدّمة ، يرد عليه أنّه كيف يعقل وجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها ، فلو كان وجوب التعلّم مقدّميّا يلزم أن لا يكون العبد عاصيا بترك هذه الواجبات إذا كان مستندا إلى ترك التعلّم ، فالتزموا تخلّصا عن هذا الإشكال بأنّ التعلّم واجب نفسي وأنّ العبد عاص في الفرض المذكور بتركه ومعاقب عليه ، لا على ترك الواجب المشروط.
وحيث أشكل عليهم حينئذ بأنّ الوجوب النفسي لتحصيل العلم في الفرعيّات أيضا مقطوع العدم ، لوضوح أنّ العلم فيها إنّما يكون مطلوبا لأجل العمل لا لموضوعيّة في ذاته ، كما هو الحال في العقائد ، مثل العلم بوحدة الباري عزّ اسمه ، أجابوا عن ذلك بأنّ الشيء قد يصير واجبا لنفسه وتكون الحكمة في ايجابه لنفسه ملاحظة واجب آخر ، وهذا نظير ما ذكرناه في مبحث مقدّمة الواجب من تثليث أقسام الواجب وهي : المقدّمي ، والنفسي للنفس ، والنفسي للغير.
ولا يخفى أنّ مبنى الإشكال الأوّل هو مسلميّة عدم تحقّق الوجوب في الواجبات المشروطة قبل حصول الشرط ، وقد حقّقنا بطلان ذلك في بحث مقدّمة الواجب وأنّه لا فرق أصلا بين الواجبات المطلقة وبين الواجبات المشروطة التي يعلم بحصول شرطها في ما بعد ، فكما أنّ الوجوب المطلق يقتضي إيجاد المقدّمات في محلّها ، كذلك الوجوب المشروط الذي يعلم بحصول شرطه في المستقبل أيضا يقتضي من المكلف إيجاد المقدمات في محلّها.
وعلى هذا فنحن سالمون عن دغدغة الإشكال ، فإنّ الدليل الدالّ على وجوب الصلاة في الوقت مثلا هو بعينه يدلّ على وجوب تعلّم أحكامها قبل الوقت ، وكما يحصل مخالفة هذا الأمر بترك الصلاة في الوقت مع التعلّم قبله ، كذلك يحصل بترك التعلّم قبل الوقت.
ولكن يشكل الحال على مبنانا في الصبيّ الذى يعلم بحدوث البلوغ بعد