العبوديّة له تعالى ، فإنّ الشارع حاله حال الموالي الظاهريّة بالنسبة إلى عبيدهم ، فكما يكون عبيدهم جميعا في نظرهم على السواء ، فيطلبون سلامة عبيدهم من الضرر مهما أمكن ، فلو دار الأمر بين الضرر الأقلّ والأكثر يختارون الأقلّ ؛ لأنّ الضرر على العبيد على تقديره يكون أقلّ ، فكأنّهم يرون الضرر على عبيدهم ضررا على أنفسهم ، فكذلك حال الشارع بالنسبة إلى العباد.
وأمّا لو فرض مساواة الأمرين في المقدار ، ومساواة الشخصين في الحال ، كما لو كان حفر المالك البئر في داره ضررا على الجار من جهة أدائه إلى خراب حائط داره بوصول الرطوبة من البئر إلى أصل الحائط ، وعدم الحفر ضررا على المالك لأدائه إلى خراب بيته بماء السماء ، وكان مقدار الضررين وحال الشخصين متساويا فحينئذ مقتضى القاعدة العقليّة هو التخيير ، حيث لا أهميّة لشيء من الطرفين.
نعم تكون الأهميّة في خصوص المثال المذكور في جانب الحفر ، وذلك لأنّ المقتضي للمنع عنه شيء واحد وهو دفع الضرر عن الجار ، وأمّا المقتضي للاذن فيه فهو شيئان ، أحدهما دفع الضرر عن المالك ، والآخر كونه تصرّفا من المالك في ملكه ، وقضيّته أيضا هو الجواز والسلطنة ، لقوله : «الناس مسلّطون على أموالهم» فيكون حال قاعدة السلطنة حينئذ حال جهة العالميّة الموجودة في أحد الغريقين المسلمين ، فكما تكون الجهة المذكورة مرجّحة هناك ، تكون القاعدة هنا أيضا مرجّحة ، هذا بناء على التزاحم.
وأمّا بناء على التعارض فقد يقال : إنّ قاعدة «الناس» بعد تساقط قاعدة الضرر والحرج في الطرفين بسبب المعارضة تصير مرجعا ، فإنّها وإن كانت كسائر القواعد محكومة للقاعدتين ، إلّا أنّ تساقط الدليل الحاكم من جهة التعارض في نفسه يوجب حياة الدليل المحكوم ، ومن هنا يعلم أنّ هذا ليس من باب تعدّد الدليل في أحد طرفي المعارضة ووحدته في الطرف الآخر ، حيث إنّ المتعيّن حينئذ سقوط الجميع بالمعارضة ؛ فإنّ ذلك إنّما هو فيما إذا كان جميع الأدلّة في