والثانية : أن يكون كلّ من الفعل والترك أو واحد منهما تعبّديا يعتبر فيه قصد القربة ، بأن يدور الأمر بين وجوب الفعل بقصد القربة ووجوب الترك كذلك ، أو بين وجوب الفعل بهذا القصد ووجوب الترك مطلقا أو بالعكس ، وفي هذه الصورة لا يمكن الموافقة القطعيّة لما ذكر ، ولكنّ المخالفة القطعيّة ممكنة لحصولها بإتيان الفعل لا بقصد القربة أو الترك كذلك ، وأمّا القسم الثاني وهو الدوران في الوقائع المتعدّدة فله الوقوع في الشبهة الكليّة كالصلاة الجمعة المردّدة بين الوجوب في تمام الجمعات وبين الحرمة في جميعها ، وفي هذا القسم لا يمكن الموافقة القطعيّة ، لعدم إمكان الجمع بين الفعل في تمام الوقائع والترك في جميعها ، ولكنّ المخالفة القطعيّة ممكنة لحصولها بإتيان العمل في واقعة وتركه في اخرى ، فلو صلّى الجمعة في الاسبوع الأوّل وتركها في الثاني حصل المخالفة القطعيّة ؛ لأنّها إن كانت محرّمة حصل مخالفتها في الاسبوع الأوّل ، وإن كانت واجبة حصل المخالفة في الاسبوع الثاني.
ففي صورة عدم إمكان الموافقة القطعيّة والمخالفة القطعيّة جميعا وهي صورة دوران الأمر بين الوجوب والحرمة في الشيء الواحد في الواقعة الواحدة الشخصيّة في التوصليّات يجب تحصيل الظنّ بأحد الطرفين معيّنا مع الإمكان ؛ لأنّ العلم الإجمالي بالتكليف يقتضي أوّلا الامتثال القطعي ، وبعد عدم إمكانه بشيء من الوجوه لا بنحو الاحتياط ولا بموافقة العلم أو العلمي ولا بالرجوع إلى الاصول يعيّن التنزّل منه إلى الامتثال الظنّي مع الإمكان.
فهذه مقدّمات الانسداد ، غاية الأمر جريانها في العلم الشخصي في هذا المورد الشخصي ، فيفيد حجّية مطلق الظنّ في هذا المورد الشخصي ، وأمّا مع عدم إمكان تحصيل الظنّ فلا محيص من التخيير عقلا ، هذا هو الكلام بحسب الأصل العقلي.
وأمّا بحسب الأصل الشرعي فلا مانع من التمسّك للإباحة بأدلّة حلّ الأشياء