عند الشكّ من مثل قوله : «كلّ شيء حلال حتى تعلم أنّه حرام» و «كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» و «رفع ما لا يعلمون» فإنّها بإطلاقها شاملة للمقام ؛ فإنّ العلم الإجمالي لا يوجب انتفاء موضوعها اللفظي ، لأنّ الغاية فيها هو خصوص العلم التفصيلي لا الأعمّ منه ومن الإجمالي ، وأمّا وجه عدم التمسّك بها في سائر موارد العلم الاجمالي فهو لزوم المخالفة القطعيّة ، والمفروض عدم إمكانها في المقام.
نعم لو قلنا بلزوم الالتزام بالأحكام الواقعيّة بشخصها وعلى وجه التفصيل لزم المخالفة الالتزاميّة ؛ فإنّ اللازم حينئذ الالتزام بشخص الوجوب أو بشخص الحرمة ، وهو ينافي الالتزام بالإباحة ، ولكن من المعلوم بطلان هذا القول ، فإنّ الالتزام بشخص الوجوب واقعا أو شخص الحرمة كذلك مع فرض الشكّ في الحكم الواقعي ليس إلّا تشريعا محرّما.
وأمّا وجوب الالتزام بالأحكام الواقعيّة على ما هي عليه في الواقع وعلى وجه الإجمال فلا ينافي الالتزام بالإباحة في مرحلة الظاهر ؛ فإنّ نفس كون الحكم الواقعي هو الوجوب أو الحرمة لا ينافي كون الحكم الظاهري المجعول في حال الشكّ هو الإباحة ، فكيف يكون الالتزام بهما غير ممكن.
فتحصّل أنّ الإشكال من حيث لزوم المخالفة القطعيّة غير متوجّه ، نعم يمكن منع أصل الإطلاق في تلك الأدلّة بأن يدّعى اختصاص مواردها بصورة تردّد الأمر بين الوجوب أو الحرمة وبين الإباحة ، فلا يعمّ صورة تردّده بينهما مع عدم احتمال الثالث.
وأمّا صورة عدم إمكان الموافقة القطعيّة ، مع إمكان المخالفة القطعيّة وهي صورة دوران الأمر بين الوجوب والحرمة في الشيء الواحد في الواقعة الواحدة الشخصيّة مع تعبّدية كلا الطرفين أو أحدهما ، وصورة الدوران بينهما في الشيء الواحد في الوقائع المتعدّدة ، فاللازم بحكم العقل ترك المخالفة القطعيّة ، فيلزم في القسم الأوّل اختيار واحد من الفعل والترك مع قصد الرجاء لا بدونه مع تعبديّة كلا الطرفين ، و