وجوده المحقّق ينصرف إلى أقرب آثاره دون أبعدها ، وحينئذ فحيث إنّ الوسائط أيضا امور عقليّة أو عادية ، وهي غير قابلة للجعل ، فلا محيص عن خروج تلك الأحكام التي تكون بوساطتها عن مدلول دليل الاستصحاب.
فإن قلت : ما الفرق بين الاصول والأمارات حيث لا يفرق في الثانية بين الحكم المترتّب بلا واسطة والمترتّب معها ، فإذا قامت البيّنة على وجود زيد فكما يرتّب آثار وجوده يرتّب آثار طول لحيته ، والحال أنّ مفاد دليل الأمارة تنزيل المؤدّى ، كما أنّ مفاد دليل الأصل تنزيل مورده ، وعدم قابليّة الأثر العقلي أو العادي للجعل مشترك بين المقامين ، فإن قيل في الأمارة بأنّ تنزيل المؤدّى يكون تنزيلا للازمه وهو تنزيلا للازم اللازم وهو للازم لازم اللازم إلى أن ينتهي إلى الحكم الشرعي ، فلا بدّ أن يقال بمثل ذلك في الاصول ، وإن قيل في الأمارة بأنّ تنزيل المؤدّى يكون من أوّل الأمر بلحاظ ذاك الحكم من دون حاجة إلى التنزيل في الوسائط فلا بدّ أن يقال بمثله في الاصول ، فلا وجه للفرق.
قلت : وجه الفرق أنّ مفاد دليل الأمارة تصديق الأمارة في جميع ما يحكي عنه ، لا في خصوص المدلول المطابقي ؛ لأنّ ذلك قضيّة التعبّد بالأمارة من حيث كونها طريقا كما هو المفروض المفروغ عنه ، فكما أنّ العرف والعقلاء في طرقهم المتعارفة بينهم لا يقفون على المدلول المطابقي ويعاملون معها معاملة العلم في ترتيب جميع الآثار والملزومات والملازمات ، فكذلك لو أمرنا الشارع بمتابعة طريق يجب المعاملة معه معاملة العلم.
وسرّ ذلك أنّ الشارع أراد إلغاء كذب الأمارة ، فكلّ شيء يناط صدق الأمارة بوجوده وكذبها بعدمه فالشارع تعبّدنا بوجوده وإن لم يكن بينه وبين مدلول الأمارة ارتباط أصلا إلّا في مجرّد الملازمة الاتفاقيّة ، فضلا عمّا إذا كان في سلسلة اللوازم أو في سلك الملزومات.