مثلا إذا أخبر البيّنة بنجاسة أحد الإنائين الذين علم بنجاسة أحدهما وطهارة الآخر ، واشتبه النجس بينهما بالطاهر ، فنجاسة الإناء الآخر مستلزمة لكذب البيّنة ، ويناط صدقها بطهارته ، فالشارع تعبّدنا بطهارته ، فهذا وجه التعدّي في الأمارات إلى اللوازم والملزومات والملازمات.
وحينئذ نقول : إنّ إخبار البيّنة مثلا بشيء يفيد لنا حكايات عديدة طوليّة بالوجدان على حسب لوازمه وملزوماته وملازماته ، فلو لم يكن للمحكّي بالحكايات التي في الرتبة الاولى أثر شرعي وكان الأثر الشرعي للمحكّي بواحد من الحكايات التي في الرتبة الأخيرة فنقول : إنّ هذا المحكيّ شيء يناط بوجوده صدق البيّنة ويلزم من عدمه كذبها ، فالشارع تعبّدنا بوجوده ، فدليل حجيّة البيّنة بمحض قيامها على المدلول المطابقي يشمل ابتداء هذا المحكيّ من دون حاجة إلى التنزيل في الوسائط حتى يقال : إنّه إن اريد بالتنزيل فيها جعل نفسها فهو غير ممكن ، وإن اريد جعل أثرها فالمفروض أنّه لا أثر لها.
وهذا بخلاف الحال في الاصول ، فإنّ المفروض أنّه ليس في البين فيها سوى دليل التنزيل ، وهو بمقتضى الجمود على مفاده لا يشمل إلّا آثار نفس المورد ، فإنّ قضيّته التعبّد بمورد الأصل ، والقدر المتيقّن آثار نفس المورد ، فلا يشمل آثار الآثار ، فضلا عن الملزومات والملازمات ، مثلا قاعدة «لا تنقض» إنّما يفيد تعبّد بنجاسة أحد الإنائين المشتبهين ، ومن المعلوم أنّ عدم نقض اليقين بالنجاسة ومعاملة بقائها في هذا الإناء المخصوص لا ربط له بطهارة الإناء الآخر ، وهكذا الكلام في استصحاب نجاسة الثوب المغسول بالماء المشكوك الحال ، حيث إنّ التعبّد بنجاسة الثوب لا ربط له بحال الماء.
بقي الكلام فيما إذا لم يكن المتيقّن السابق مجعولا ولا موضوعا للأثر الشرعي بلا واسطة ، ولكن كان منتزعا عمّا هو المجعول كما هو القسم الأخير من