الواقعي يكون الترديد والإجمال باقيين في النفس ؛ لعدم العلم بوجود المجعول في الرتبة الاولى في هذا أو في هذا أو في ذاك.
فهذان وجهان يقال بهما في موارد الطرق الشرعيّة في قبال العلم الإجمالي لعدم وجوب الاحتياط في غير تلك الموارد من الأطراف ، والوجه الأوّل ليس راجعا إلى الانحلال الحقيقي، بل مرجعه إلى إلزام المولى بما التزم ، فإنّ معنى الحجّة أن يصحّ احتجاج العبد به على المولى ، كما يصحّ احتجاج المولى به على العبد ، فكما يصحّ أن يحتجّ المولى على العبد ويقول له : لم أكلت لحم الغنم الذي أخبرك البيّنة بموطوئيته؟ كذلك يصحّ أن يحتجّ العبد على المولى ويقول له : إنّ الواجب علىّ لم يكن إلّا اجتناب لحم الغنم الموطوءة ، واجتنابي عن هذا الذي أخبر البيّنة بموطوئيته أيضا اجتناب عن الغنم الموطوءة ، فالمولى يصير ملزما في الثاني كما يصير العبد ملزما في الأوّل.
فهذا نظير ما لو ضرب السلطان السكّة على الجلود ، وجعل الجلد المسكوك في محلّ الليرة ، فإنّ السلطان ملزم بأخذه من الرعيّة محتسبا له عوض الليرة ، والرعيّة أيضا ملزمون بأخذه من السلطان عوضا لليرة ، ولو رجع السلطان عن هذا الجعل ولم يأخذ الجلد في مقام الليرة رجع الرعيّة أيضا ولم يأخذوا منه ، وبالجملة ، فهذا الوجه ليس انحلالا في الحقيقة ، وإنّما هو كون العمل بالطريق قائما مقام العمل الذي يكون على العهدة.
وأمّا الوجه الثاني فهو انحلال حقيقي ، إذ بعد إلغاء الخصوصيّات التي لا دخل لها في موضوع حكم العقل أصلا ينحلّ العلم الإجمالي قطعا ، فإنّ موضوع حكم العقل هو الواجب الإلهي بما هو واجب ، والمحرّم الإلهي بما هو محرّم ، لا بما هو واجب أو حرام واقعي أو ظاهري وإنّما الواقعي والظاهري اصطلاح أحدثناه لتصوير الجمع بين هذين القسمين من الحكم ، وحينئذ فإذا علم إجمالا بواجبات ومحرّمات ثمّ قام الطرق الشرعيّة على تعيين جملة منها ، قلنا : هذا واجب وهذا واجب وهذا واجب وهكذا ، وهذا حرام وهذا حرام وهذا حرام وهكذا ، فهذه