على القرينة الصارفة لا يحتاج الحمل على الندب والتخيير إلى كثير مئونة وزيادة كلفة وعناية ، حتّى لو دار الأمر بين هذا التصرّف في الهيئة والتقييد في المادّة كنّا نرجّح التصرّف في الهيئة لأقليّة مئونته ، حتى قال صاحب المعالم في الباب الأوّل بأنّه صار من المجاز المشهور المساوي احتماله مع احتمال الحقيقة.
فتبيّن أنّ الوجه في التقديم هو هذا التعارف ، لا ما يتخيّل من أنّه تقديم النصّ على الظاهر ، حيث إنّ «افعل» ناصّ في مطلق الرجحان وظاهر في المنع عن الترك و «لا بأس» ناصّ في عدم المنع وظاهر في تساوي الطرفين ، فيرفع ظاهر كلّ بنصّ الآخر ، وهكذا لو قال مثلا : «لو ظاهرت فاعتق رقبة» وقال أيضا : «لو ظاهرت فصم ثلاثين يوما» وعلمنا من الخارج بوحدة التكليف ، فحينئذ كلّ من الهيئتين ناصّ في الصلاحيّة للإجزاء وظاهر في نفي الصلاحيّة عن الغير ، فيرفع ظاهرهما بنصّهما.
إذا عرفت ذلك فنقول : أمّا القسم الأوّل والثاني فلا شبهة في كونهما داخلين في موضوع التعارض ، إنّما الكلام في القسمين الأخيرين.
وربّما يقال بناء على ما مرّ من حديث تقديم السند على الدلالة بالتفصيل بين هذين القسمين بالجمع في الأوّل منهما بتقديم نصّ كلّ على ظاهر الآخر والرجوع إلى المرجّحات السنديّة في الثاني منهما ، ببيان أنّه إذا كان القدر المتيقّن غير مستند إلى الخصوصيّات المحفوفة بالكلام كما في قوله عليهالسلام : «ثمن العذرة سحت» وقوله عليهالسلام : «ولا بأس ببيع العذرة» فإنّا عند القطع بصدور هذين عن الحكيم لا نتحيّر في حمل الأوّل على غير المأكول والثاني على المأكول صونا لكلام الحكيم عن التناقض ، والعلم الخارجي بأولويّة غير المأكول بالحرمة من المأكول.
ولكن عند عدم القطع لا نقول بجريان دليل التعبّد في كليهما ثمّ رفع التحيّر بمثل ذلك؛ فإنّه أمر مستنكر بعيد عن المحاورة ونلتزم في صورة القطع بأنّه اقتضت مصلحة لصدور الكلام بهذه الصورة من المتكلّم ، وأمّا عند عدم القطع فليس دليل التعبّد بهذه المثابة ، بل يسري التعارض إليهما.
وهذا بخلاف ما إذا كان القدر المتيقّن متّخذا من قرائن المقام ، فإنّ الحمل حينئذ