وفيه أنّ المقصود إن كان الراجح بملاحظة الدواعي الشخصيّة للفاعل سلّمنا امتناعه ، ولكن لا نسلّم أنّ تقديم غير ذي المزيّة من هذا القبيل ، فإنّه ما لم يرجّح بنظره حسب دواعيه الشخصيّة لا يعقل أن نختاره ، وإن كان المقصود هو الراجح العقلي فلا نسلّم الكبرى ، بل قد عرفت أنّه مع قطع النظر عن التعبّد ، الأصل الأوّلي هو التوقّف في المدلول المطابقي والرجوع إلى الأصل المطابق لأحدهما ، فليس الداعي إلى العمل بأحد الخبرين إلّا الأخبار ، فلا بدّ من ملاحظتها ، فإن دلّت على التخيير المطلق عمل به ، وإن دلّت على الترجيح فكذلك ، وإن قصرت دلالتها من هذه الجهة فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل الذي اسّسناه.
ومنها : الأخبار الواردة من طرقنا المشتملة على جمع من وجوه الترجيح ، وهذه هي العمدة في المقام ، ولا بدّ من التيمّن بذكرها والنظر فيها ، وقبل الشروع بذكر أخبار الترجيح ينبغي تقديم أخبار التخيير ، فلو استفدنا منها التخيير المطلق وترجّح في النظر تقديم هذه الأخبار فالمرجع هو التخيير مطلقا ، وإن ترجّح تقديم أخبار الترجيح أو اجمل الأمر ، ففي موارد تلك المرجّحات المنصوصة في الأخبار نرجع إلى الأصل المؤسّس سابقا ، ويكون المرجع في سائر مقامات الترجيح الغير المنصوصة هو التخيير أيضا.
وبالجملة ، فالمستفاد من هذه الأخبار أصل ثانوي هو التخيير بعد ما عرفت أنّ الأصل الأوّلي بناء على الطريقيّة هو التعيين.
فنقول وبالله التوكّل : أمّا أخبار التخيير
فمنها : خبر سماعه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بأخذه ، والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع؟ قال عليهالسلام : يرجئه حتّى يلقي من يخبره ، فهو في سعة حتى يلقاه».
والاستدلال به مبنيّ على أن لا يكون قوله : «في سعة» الخ من قبيل قوله : في سعة ما لا يعلمون ، بأن كان المقصود هو الأمر بالتوقّف والإرجاع في مقام العمل إلى البراءة والسعة ، فيكون هذا موافقا للأصل الأوّلي ، بل كان المقصود هو الوسعة