والقسم الثاني ما كان موجودا استقلاليّا قابلا للحكم عليه وبه من حيث كونه واحدا من الصفات النفسانيّة ، فظاهر هذا المفهوم عند الإطلاق هو القسم الأوّل ، ولا شكّ أنّ صاحب هذا القسم يرى المتيقّن ويرى يقينه محرّكا إيّاه نحو متيقّنه ، فالعمل مستند ذاتا وبالطبع إلى اليقين ، ولا ينافي هذا مع عدم استقلاله كما عرفت.
والحاصل أنّ المتيقّن بخطاب لا تشرب الخمر وكون هذا المائع خمرا يقينه الطريقي مؤثّر طبعا ، وفاعل وذو عمل ذاتا في جوارحه بإمساكها عن شرب الخمر ، ولو فرض أنّ لهذا اليقين ولو بحيث طريقيّته أثر خاصّ به مثل التصدّق بدرهم ، فهذا العمل ليس عملا لهذا اليقين طبعا ، وإنّما حاله بالنسبة إليه حال الخمر بالنسبة إلى خطاب «لا تشرب» ، بل العمل الطبعي حينئذ ليقين آخر بذاك الخطاب الذي موضوعه اليقين الأوّل.
وبالجملة ، فرق بين العمل الطبعي والأثر الشرعي ، فالثاني عبارة عن حكم الحرمة في «لا تشرب الخمر» مثلا ، وهو مرتّب شرعا على الخمر ، والأوّل عبارة عن الكفّ والإمساك الخارجي عن الشرب ، وهو مرتّب طبعا على اليقين المرآتي ، بحيث لو كان جهلا مركّبا أيضا لكان العمل بحاله ، غاية الأمر اليقين المعتبر في الاستصحاب هو اليقين المطابق للمواقع ، وليس معنى «لا تنقض» جعل الأثر ، بل معناه كما تقدّم إيجاب معاملة المكلّف في حال الشكّ معاملته التي كان يعملها في حال اليقين ، وبعبارة اخرى : إيجاب إبقاء اليقين عملا ، ولهذا قلنا خلافا لشيخنا المرتضى ومن تبعه قدّس أسرارهم بجريان الاستصحاب في العدم الأزلي كما تقدّم بيانه.
والحاصل عمل المتيقّن يكون ليقينه الطريقي ، وليس خطاب «لا تنقض اليقين» واردا عليه في هذا الحال حتّى يلزم انقلاب نظره من الطريقيّة إلى الاستقلال ، بل يرد عليه في حال الشكّ ويقول : اعمل الآن عمل ذاك اليقين.
ولا يرد أنّ العمل حينئذ لليقين بخطاب «لا تنقض» ولا ارتباط له باليقين السابق ، فإنّه يقال : نعم ، ولكن المتحرّك إليه لهذا اليقين العمل في حال الشكّ عمل اليقين السابق ، فالمكلّف يعمل عمل اليقين السابق لأجل اليقين بهذا الخطاب.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني قدسسره بعد أن ذكر إشكال السيّد الأجلّ الشيرازي على شيخه المرتضى قدّس أسرارهم اختار لدفع هذا الاشكال ـ أعني لزوم اعتبار