فغير المعقول جعل السببيّة ، لا جعل كان هو السبب ، وهذا كلّه واضح لا ينسب إلى عالم التفوّه بخلافه.
فالذي ينبغي البحث فيه هنا أن يقال : إنّ من المسلّم في ما بينهم قبول التكليف للجعل ، ومن أفراده الوجوب ، والوجوب في مقابل الامكان ، والامتناع عبارة عن ضروريّة الوجود للماهيّة وانسداد العدم فيه وعدم تطرّقه إليه ، وفي الوجوبات بالغير عبارة عن وجوب وجود الإحراق مثلا بعد وجود علّته التامّة ، فالإيجاب بمعنى إعطاء ضروريّة الوجود من شأن العلّة التامّة العقليّة ، فقالوا : مرادنا بأنّ الوجوب شرعي ومجعول للشارع أنّ للمولى في مقام الأمر حالتين.
الاولى : الإرادة المظهرة ، وهذه بمجرّدها لا يكفي في الإيجاب ، إذ ربّما يريد الإنسان بالإرادة الأكيدة التي يدعو الله بغاية التضرّع لإنجاحها صدور فعل من الغير ، لكن بإرادة منه من دون استناد إلى إرادته حتّى بنحو الداعي إلى الداعي ، بحيث يكون المراد مقيّدا بذلك ، ومن المعلوم عدم تحقّق الإيجاب حينئذ مع تحقّق الارادة التي هى غاية مراتب الشوق.
والثانية : بعث العبد وتحريك عضلاته وإيجاد الداعي في نفسه وتحميل الفعل عليه ، وفي هذه المرتبة المتحقّق في نظر الآمر هو الالتزام بالتصاق الوجود وارتباطه بحيث لا يتطرّق إليه العدم بماهيّة الفعل ، فهو في قوله : «أوجد كذا» قد ربط الوجود بكذا ، وهذا هو الإيجاب الشرعي الذي هو تتميم العلّة للوجود من قبله وسدّ باب العدم في نظره. وبعبارة بعض الأكابر : إيجاد بالعناية.
فقد اكتفوا في باب جعل الوجوب مع أنّه من شأن العلّة التامّة العقليّة بهذا المعنى الذي سمّوه بالوجوب الشرعي الذي هو وجوب الوجود بنظره ومن قبله ، ولم يرقّبوا منه تحقّق الوجوب العقلي حتى يصير من المحالات.
والمدّعى في المقام أنّه ما الفرق في هذه الجهة عند هؤلاء بين جعل الوجوب و