جعل السببيّة ، حيث تلقّوا الأوّل بالقبول ، والثاني بالإنكار الشديد ، وترقّبوا فيه حصول السببيّة العقليّة ، مع أنّه فيها أيضا يجيء نظير ما ذكروه في جعل الوجوب ، وهو أن يقال : إنّ المولى قد جعل في نظره لزوم وجود فعل كذا عقيب وجود أمر كذا ، بحيث رأى الترتب لوجود الأوّل على الثاني لا لوجوبه. كما لو جعل بالعناية والبناء القلبي هذا المعنى بين وقوع الكلب في البئر ونزح أربعين دلوا ، وأثر هذا الجعل وفائدته أنّه يلزم عقلا على العبد أن يصير خادما لهذا السبب الجعلي بترتيب مسبّبه عليه ، كما صار فائدة جعل الوجوب لزوم أن يصير خادما للوجوب النظري بإعطاء الوجود للفعل.
ولشيخنا المرتضى في بحث منزوحات البئر في تقريب الأصل على عدم تداخل الأسباب كلام يظهر منه تسليم هذا فراجع.
وبالجملة ، فكما اكتفوا في جعل الوجوب بحصول الوجوب النظري الشرعي وقالوا : هو أمر اعتباري نفس أمري منشائه هذا الجعل والعناية ، فلا بدّ أن يكتفوا بمثله في هذا المقام، ولا يترقّبوا حصول الربط الواقعي العقلي ، ويقولوا أنّ هذا أيضا أمر اعتباري نفس أمري منشائه هذا الجعل والعناية.
ثمّ هذا جعل للسببيّة بالاستقلال وللوجوب الشرعي بالتبع ؛ إذ بواسطة قول الشارع : جعلت الملازمة بين وجود الكلب في البئر وتعقّب نزح الأربعين ، ينتزع الوجوب للنزح ويقال: إنّه واجب شرعي.
والعكس أيضا ممكن ، بأن يتعلّق الجعل بالاستقلال بالتكليف وينتزع منه السببيّة لشيء حتّى في السببيّة العقليّة ، وهذا كما إذا علّق وجوب الفعل على حصول أمر ، كما لو قال : أكرم زيدا إن جاءك ، فإنّ هذا جعل ابتدائي للوجوب المشروط ، ولازمه صيرورة المعلّق عليه وهو المجيء الذي علّق عليه وجوب الإكرام علّة عقليّة لمحرّكيّة الأمر المشروط ؛ فإنّ إناطة الأمر بفرض حصول المجيء أن يكون مؤثريّة