حيث أسّس الأصل في حال الشكّ في الانفعال وعدمه ، وجعله الانفعال بتقريب أنّا قد استفدنا من الأدلّة سببيّة الملاقاة للتنجّس وأنّ الكريّة مانعة ، فإذا شككنا في حدّ الكرّ وتردّد بين الزائد والناقص ، ولاقى الماء المحدود بالحدّ الناقص مع النجاسة ، فاستصحاب عدم وجود عنوان المانع ليرتّب عليه النجاسة لا مانع منه ؛ فإنّ الحكم بالنجاسة في موضوع عدم المانع. الواقعي وإن كان عقليّا ، لكن في موضوع العدم المشكوك لا حكم للعقل ، والمفروض أنّ نفس الحكم أعني النجاسة ممّا يقبل الجعل ، فلا مانع من جريان عموم الأدلّة ـ فالحقّ عدم الجريان ، لا لأنّ الأثر ممّا رتّبه العقل ، بل لأنّه ليس لهذا العنوان أثر أصلا حتّى بحكم العقل ، فإنّ المؤثّر إنّما هو ذات المانع لا هو بعنوان أنّه مانع وكذا في جانب العدم ، مثلا الذي هو المؤثّر ذات الكرّ أو عدمه ، لا هو بعنوان المانعيّة ، وإنّما هو وصف ينتزعه العقل من مرتبة تأثير الذات ، وهذا واضح.
وأمّا القسم الخامس ، أعني ما كان مجعولا شرعيّا ، ولكن لا استقلالا ، بل تبعا لجعل شيء آخر كالجزئيّة والشرطيّة ، فربّما يستشكل في الاستصحاب فيه بأنّه لا عمل لليقين في مثل ذلك ، فإنّ الجزئيّة مثلا بالفرض منتزع عن جعل الوجوب على المركّب فهو متقدّم رتبة عليها ، والإنسان حال يقينه إنّما يتحرّك نحو إتيان الجزء بسببيّة اليقين بالوجوب ، لا اليقين بمعلوله الذي هو الجزئيّة ولو كان للجزئيّة أيضا على فرض انفكاكها عن الوجوب محالا هذا التأثير والاقتضاء أيضا ، لكن حال اجتماعهما مع الوجوب يكون التأثير ، لا سبق العلّتين وهو الوجوب ، فينعزل الجزئيّة عن التأثير. فيندرج تحت القسم الثالث المتقدّم آنفا من ترتيب عمل الملزوم على اليقين باللازم ، وقد استشكلنا في دخوله تحت العموم ، لأنّ عمل الملزوم لا ربط له باليقين باللازم.